بقلم الأستاذ حميد طولست
خلال حوار لي على "النت" ، مع أحد المدونين المنتمين لإحدى الحركات
الدعوية الأكثر تشددا في الدفاع عن القضية الفلسطينة "فمامتا"- كما نقول
في دارجتنا المغربية للتعبير عن الكلام بلا عمل -
بادرني محاوري بسؤال ملغوم حول موقفي
من تسارع بعض المسؤولين الحكوميين والفعاليات الإعلامية والثقافية والرياضية والاقتصادية
إلى الإنخراط والتهليل بلهفة للتطبيع مع دولة إسرائلي ، المبادرة التي نعتها بالخيانة
الكبرى للدين والعروبة.
وقبل أن أجيب عن سؤاله ، سألته التفضل هو الأول بإخباري عن سبب أو أسباب رفضه
لإحياء المغرب لعلاقته القديمة مع يهود من
أصل مغربي يعيشون في اسرائيل، -الذي اسماه تطبيعا مع الكيان الصهيوني- والذي يمكن أن
يحقق للمغرب فوائد اقتصادية وتكنولوجية كثيرة ومكاسب دبلوماسية عديدة على الاعتراف
الأمريكي بحقوقه في الصحراء المغربية ، وتسابق غيرها من الدول على فتح قنصلياتها بها.
رد بحماسة الجهاديين المتجهّمين، وفضاضة المكفرين السلبيين المزوّدين بطاقة
الكراهية والحقد الأسود قائلا: بالله عليك كيف تقبل كمسلم أن تقايض أطهر وأقدس بلاد
المسلمين التي تشمل بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ، ببقعة في صحراء جرداء؟
وأنت تعلم أن القضية الفلسطينية ليست قضية أرض مستباحة ودولة محتلة ، كما يدعي أمثالك
من أعداء العروبة والإسلام ، بقدر ما هي قضية
دينية في المقام الأول ، والموت دونها هو موت في سبيل الله ، وأن التنازل عنها هو تآمر
على الإسلام ، وتخل عن جزء من العقيدة يوجب التخلف عنه العقاب الشديد .
وحتى اساعد محدثي على الاسترخاء، والتخفيف من حدة التوتر العارم الذي أغشى بصره
والغضب القاتم الذي أعمى بصيرته ، رجوته بلطف شديد أن يهون على نفسه ، وألا يتعصب لعاطفته
الذاتية الاعتباطية المنطلقة من رؤيته الذهنية الجزئية للقضية الفلسطينة ، تلك الرؤية
التي لاشك تمنعه من النظر إلى القضية التي يريد الدفاع عنها، بموضوعية ومنهجية، وتجعله
يتخلي عن وطنه ومصالح شعبه لصالح أوطان وشعوب أخرى يعتقد بشرعيتها ، كما هو الحال مع
قضية الصحراء المغربية عزة المغاربة ، التي تسدعي هي الأخرى الإنتصار لها بالخروج بقوة
للشوارع ضد أي عداء عليها ، وكل تأخر أو تقاعص
عن الدفاع عن حرماتها هو خيانة للوطن وتآمر على الإسلام ، وتخل عن جزء من العقيدة
.
فكفاك من التزييف الخبيث والتضليل الماكر لقضايانا الوطنية المصيرية ، وكفاك
من التشويه الخسيس والجبان للنضالاتنا الجماهيرية ، فإما أن تكون مناصرا حقيقييا ومبدئييا
لقضيتنا الأولى الصحراء، وتنتصر لها كما تفعل مع القضية الفلسطينية ،فالوطنية تقتضي
الوضوح والمبدئية، لا تقبل بتاتا بهذه الحربائية والانتهازية في القضايا المصيرية .
زاده كلامي توثرا وهياجا وصاح في وجهي قائلا : "بالله عليك كيف لي أن أهون
على نفسي ، وكيف تريد مني ألا انظر إلى أقدس القضايا الدينية الملتهبة من خلال مشاعري
وعواطفي الذاتية؟، من أين لي بالقدرة على التفكير الموضوعي المنهجي ، وثغر من ثغور
المسلمين محاصر وينتهك عرضه ؟ أليست لك عزة نفس ؟ أم أن التخاذل أفقدك وغيرك كثير،
رفعة وكرامة الإسلام وكبرياء المسلمين؟
حمدت الله على أن الحوار كان عن بعد ، وإلا لكان قد اصابني غضب ماحوري بعاهة
مستدامة ،
ما زادني يقينا بأنه لا طائل من محاورة
أي من متشددي القوى الرجعية والظلامية وأشباه التقدميين الممسوخين والمتحالفين معها
الذين جعلوا من قضية فلسطين عملة رائجة للابتزاز السياسي ، عساهم يكسبوا ود الجماهير
الحاضرة وبعض الأصوات الناخبة ..
وحتى لا يفهم أن لي موقف معاد للقضية الفلسطينية التي هي عندي قضية عادلة ،
ومن أعدل القضايا المعاصرة اليوم ، وأندد بكل قواي بما عاشه ويعيشه الشعب الفلسطيني
من مجزارة رهيبة دفاعا عن أرضه ووطنه المغتصب،
لكنها موقفي من انتهازية التأسلم السياسي وطموحات المتأسلمين ومساوماتهم المذهبية
التي جعلت من القضية الفلسطينية ذريعة لتحقيق أهداف لا علاقة للقضية ولا للشعب بمختلف طوائفه وفئاته بها ،و كما يقال : "قضية
عادلة يتولاها محامٍ فاشل ".