adsense

/www.alqalamlhor.com

2021/05/08 - 8:03 م

بقلم الاستاذ حميد طولست

الإختلاف أمر طبيعي وشيء إيجابي تكاملي في حياة الناس ، وسمة من سمات العقول الراجحة ، وخصلة من خصال النفوس الراقية ، وقانون من القوانين الفاصل فى سلوكيات البشر ، والذين إذا غابت عنهم فلسفته ، واستشرى بينهم التطابق في الأفكار ، والتماثل في الأذواق ، والتوحد في التوجهات، والإستنساخ في التجارب ، لانكشفت مجتمعاتهم ، واهتزت أركانها ، وتحول فيها الاختلاف والتنوع إلى خلاف مؤدٍّ إلى النزاعات والصراعات المستدامة بين الأفراد والجتمعات ، الأمر الذي جعله الله مستحيلا في خلقه بدليل قوله سبحانه وتعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً " صدق الله العظيم.

هكذا خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين عن بعضنا في الأفكار ، وغير متساويين في العقول ، وغير متوازين في الآراء ،وغير متوجدين في الرؤى ، وجعلنا سبحانه متباينين عن بعضنا في كل شيء ، في شفرتنا وفي جيناتنا الوراثية وفي بصماتنا الخاصة ، دون أن يجعل سبحانه وتعالى من الاتفاق في الأفهام ، والعلوم ، و التساوي في المعارف ، والعلوم ، والفطرة ، والطبع، ضرورة لتساكننا وتعايشننا ، ولم يتشرط سبحانه لذلك أن ترى أنت ما أرى أنا ، وأقتنع أنا بما تقتنع به أنت، لأنك أنت لست أنا وأنا لست أنت ، وما تصلح له أنت قد لا أصلح له أنا ، فلماذا إذن لا نجعل من اختلافنا اختلاف تكامل ومصدر غنى ، يساعد على ابراز أنماط تفكير جديد متجدد ، يتطوير بها الفكر الإنساني في عمومه ، لا اختلاف تطاحن وتنافر وصراع واحتراب وإنتصار لوهم الحقيقة الوحيدة المطلقة ، التي تحرمني وإياك من أن نعيش اختلافنا في هيآتنا ومشاعرنا وعقولنا وطريقة تفكيرنا ، بكل حرية ووفق ما نراه وما نحبه وما نفكر فيه وما نقتنع به ، دون أن يحدد لنا غيرنا  كيف نعيش ، وكيف نلبس ، وكيف نمشي ، وكيف نفكير..

هكذا أراد الله ،سبحانه وتعال وشاءت قدرته أن نكون أحرارا ، نحب ونكره كما نشاء ، لكن الذي لا يريده ولا يرضاه لنا ، هو أن يحاول الواحد منا تغير الآخر ليلائم هوى نفسه ، التي ألزمنا ربنا تغييرها وتطويرها لتتقبل اختلافي عنك، وأحترم اختلافك عني ، الأمر الذي يخيف بنية التفكير الإسلام/السياسي الذي يرفض الإختلاف ، لما ينتجه من تبدل في سلوك وتفكير البسطاء الذين يصر شيوخ التأسلم على تحويلهم باسم الدين إلى نسخ مستنسخة لنمط واحد،  في تفكيرهم ، وأفكارهم ، ووجهات نظرهم، وعلومهم ، ومعارفهم ، وهواياتهم ، ورغابتهم ، وحتى في هيآتهم وأشكالهم ، التي يجب الا تحيد عنما  حددته العقلية الإسلاموية من معيار لسلوكات الناس ، والتي يريدها الشيوخ المتحكمين في الدين ، بلا حياة نابضة ، وخارج العقل والوجود والواقع ، حياة مدفونة في الماضي المقدس المسمى بـ"السلف الصالح" الذي يحرم الإقرار بكينونة "الآخر المختلف"، ويمنع من التمرد على النمطية والاعتيادية بكل ما فيها من اغفال للتنوع الذي أراده الله لصنع عالم متكامل ، تترتـفع فيه العقول ، وتتعالى خلاله النفوس وتتحقق بهما الفرادة والتميز، ويفرضون أن ينظر الأتباع إلى الحياة بعين واحدة ، ويزنون الأمور بميزان واحد ، ويرون كل الألوان أبيض وأسود ، ويفصّلون الناس بين عدو وصديق .

وأختم بمقولة فرنسوا ليوتار:" أنه لا قرار في الكون يحظى بالإجماع ، لكون الإجماع مخالف لطبيعة التجمع البشري ، اللهم إذا كان الإجماع قسريا مفروضا بالقهر، الذي يشكل نهاية الحرية ونهاية الفكر" ..