adsense

/www.alqalamlhor.com

2021/05/20 - 11:09 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

لاشك أن الاهتمام المتصاعد بقضية تجديد الخطاب الديني وتسليط الضوء ، وينسف الأفكار المتشددة المنتشية بالخرافة والأوهام ، يضيق الخناق على قضايا التطرف والإرهاب ، لذلك ليس بغريب أن تظهر في عصرٍ تتحكم في تراثه الديني جماعة الشيوخ والوعاظ المجدفة عكس تيارات العلم والمعرفة والحياة  ، وتبرز خلاله بوادر ما هرِم أساتذة الفكر في انتظاره ، وجفّت حلوقُ فقهاء التنوير في اللهات وراءه ، وبُحت أصوات أصحاب العقول النيرة من فرط المناداة -مند أماد بعيدة - بتنظيف البيت العربي والإسلامي من سطوة رجال الدين ، والحد من طغيان استعملهم له في النصب والاحتيال ، وكلت كل حيل الوطنيين الصادقين من كثرة المطالبة بإعادة الخطاب الديني إلى جادّة الاعتدال والإنسانية والتحضر والرحمة والسماحة والإخاء والمساواة والعدل والحرية التي ترقى بسلوك الفرد والجماعة في مراقي الفضائل الأخلاقية من صدق وأمانة ووفاء بالعهد ، وتعمق انحيازهما لقيم المعاملة الحسنة والأخذ بيد الفقراء والمستضعفين ، وتستنهض ضمائرهما والهمم من أجل كل ما هو خيّر وجميل ورحيم ومحقق للسلام الإنساني المنجي البشرية من جحيم الإرهاب والتطرف الذي ينخرُ جسد الأمة العربية ويفتت البلدان الإسلامية والعالم ، السلام الذي لا يمكن أن يتحقق "أمنيًّا"، ما لم تواكبُه مواجهةٌ "فكرية" تعيد تجديد الخطاب الديني ، وتصحح التراث الإسلامي، وتنقي كتب السيرة والتفسير مما حشاها به فقهاء الدجل من خزعبلات أحاديث الآحاد الغير متصلة السند وغير الموثوق من صحتها ، والأحاديث الموضوعة والمكذوبة وغير المواكبة للعصر ، وضعها رجال غير ثقات كذابون ، لتعزيز أساطير فتاوى بُنيت عليها أحكاما خاطئة مجافية للعلم ، تحول التمسك بها والإتزام ببنودها ، لـ "حاضنة" للتطرف ، ومصدر لتفريخ الإرهاب والإرهابيين الذين كرّهوا خلق الله في دين الله ، بتشددهم الفقهي الذي أساؤوا به للدين أكثر مما نفعوه ، الأمر الذي جعل العقول النيرة الرافضة بقوة للاستبداد الديني ، أن تهتدي وفق بصيرة مستنيرة وحسن تقدير ، إلى.الإقتناع بضرورة "تجديد الخطاب الديني" والتأكد من حاجة الأمة الماسّة إلى من يجدد لها دينها وفـق منهج رباني أصيل ، كما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" الحديث النبوي الشريف الذي عزز ظهور المبعوث بالتجديد الذي ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي ، في شخص الرئيسُ عبد الفتاح السيسي الذي ماانفك- منذ توليه حكم مصر قبل سبع سنوات- يطالب مشيخة الأزهرَ بضرورة ذلك التجديد ، الذي إنخرط فيه قبل أيام وليُّ العهد السعودي الأميرُ محمد بن سلمان، بإطلاقه في 27.4.2021، أول رصاصة لحرب غير مسبوقة على الديانة الإسلاموية الهشة المترنحة، وضد ما تكرسه من مظاهر تقديس لفقهاء الوهابية وفتاواهم المجافية للعلم ، والمناهضة لأي إصلاح ديني يقوِّض سطوتهم ويحطم مكانة حماقاتهم اللاديني واللاقانوني واللاانساني التي يقتاتون من ورائها ويثرون من تسويقها، والتي لا تعد ولا تحصى.

فهل سيكتب لعملية التصحيح والتنقيح النجاح المرجو لها، وتستمر عجلتها في طريق سليم خال من معارضة فحول الوهابية؟ ، وهل سيكفر فقهاء السعودية والأزاهرة بما كانوا يقولنه زورا بإسم الله؟ ، وهل سيبلعون ألسنتهم وتصمت أفواههم ، كما فعلوا مع سماح ولي العهد للمرأة بقيادة السيارة في شوارع المملكة ، وإدخال وسائل الترفيه الاجتماعي وفتح دور السينما والمسارح وإقامة حفلات الغناء والطرب والموسيقى؟

أم أنهم سيتخدون تقيتهم المنافقة المعهودة ، لمجاراة عملية التجديد، وخلق انسجام مخادعا بين خطابهم الديني العبثي المتشدد والحداثة التي يدعوا إليها كل من السيسي والأمير محمد بن سلمان ، ويقومون بلا حياء على نَسْخ ما قالوه من قبل ، لإيهام جماهير المتأسلمين، بأنهم تراجعوا عنها حماية الدين، مراهنين على ذاكرة السمكة لدي المهووسين بالدين من حولهم ، وفي انتظار فرصة العودة لتشكيل منهم جماعات جديدة شديدة العنف ، تعارض وتقاوم كل تصور ديني جديد.

كما فعل شيخ الأزهر الذي لم يتأخر عن الغمز -من قناته- بالموافقة على التجديد  وتثمينه ، وهو الذي كان إلى الأمس القريب سجين النظرية المناهضة لكل مخطط يروم التنوير والتطوير ويضاد الإبداع ، اعتمادا على الحديث: "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" والذي ركب عليه للسخرية  من رئيس جامعة القاهرة في مؤتمر عالمي حول التجديد الديني، عقد بمصر عام 2020 ، بقوله : "إنَّ التجديد يكون في بيت أبوك وليس في الدين"..

لا وألف لا ، فالانتباه ضروري ، وأخد الحيطة واجب ، أمام أمثال هذه العقليات التي ابتهجت وصفقت وهللت للأسلوب  الفج الذي لا يليق بمنصب شيخ الأزهر ، والذي ينم على أنها جماعة وتحبد التحكم فيها بقوة الاستبداد الديني ، وتنتشي بترويع الناس به ، وأنهم مستعدون  للانقضاض على من يخالفهم أو يختلف معهم ، والوقوف بقوة في وجه أي إصلاح وأي تجديد يبني الإنسان ، لإقتناعهم الشديد بأن سلوكهم ذلك ، هو صلب الدين ، ومن باب الرجولة والتعلق بالقيم والقوانين التي سنّوها وفقًا لهواهم الذي قاوموا وحاكموا وسجنوا وقتلوا من أجله كل من عارضه أو استعمل فيه العقل.

وأختم بالمقولة الشهيرة : إن أشد الناس عداوة للإسلام وأخطرهم على المسلمين الذين لحست عقولهم فتاوى فقهاء الدين وسجنتها أفكار شيوخه في غياهب الماضي البعيد الذي لا يتنازلون عنه بسهولة، ولا يقتنعون بسواه إلا بعد صراع شديد يلجم ألسنتهم الطويلة..