بقلم الأستاذة الروائية حسناء وهابي
عاد لتوه من العمل،يبدو متبعا مرهقا بعض الشيء،يحارب المرض ببدلته التي تبدو
بيضاء فاقع لونها،وكمامته الطبية الزرقاء رؤيتها تسر الناظرين،وحذاءه الجميل الأخاذ،وفي
يديه أكياس من أغراض تخص المطبخ وبعض مواد التنظيف والتعقيم.وجد زوجته ريتا وأبناءه
الثلاثة"محمد ونبيل وياسر"،في انتظاره خلف الباب الموصد،بدأوا يسارعون في
تقبيل يد والدهم لينالوا حصتهم من رضى بطلهم وقدوتهم وكل ما يكنه خاطرهم له من الود
والأنس والحنان والحبور،أما عن ريتا فأسرعت لإحضار حذاءه المنزلي؛ثم طبعت قبلة خفيفة
على جبينه وأسمى عبارات الحب والعطف والحنان الذي يكنه قلبها لزوجها؛السيد"رشيد
العمري"،بعدئذ جلسوا جميعا رفقة بطلهم حول مائدتهم التي تحمل كل مالذ وطاب من
مأكولات وأطعمة شهية لذيذة.استهلوا عشاءهم وبدأوا يتبادلون أطراف الحديث،لاسيما روايات
البطل ومايعانيه وهو في ساحة القتال ضد العدو اللذوذ"كورونا"،ليلفي البطل
نفسه في عياء شديد،وعيناه تنسدلان أرقا.يعتذر لعائلته الصغيرة،ليستأنف للنوم؛بعد إتمام صلاة فرائضه وورده اليومي و بعض أذكار المساء
والنوم،ثم يغط في نومه.أما عن ريتا والأبناء،فهم لايزالون في المطبخ ينظفون الصحون،وبقية
أرضية المطبخ وماعلق بها من شوائب،بعدها يقومون بغسل أيديهم بالصابون،وتنظيف أسنانهم
بالفرشاة ومعجون الأسنان،وكل هذه الأعمال يعملونها في هدوء تام خشية تعكير مزاج والدهم.ليغطوا
جميعا في نوم رحيم؛يداعب أجفانهم ويحتضن أفكارهم وقدراتهم ومهاراتهم الصبيانية،وفي
صباح اليوم الموالي،يستيقظ السيد رشيد كما على عادته قبيل آذان الفجر،يتوظأ ويصلي بضع
ركعات تهجدا لله،راجيا منه المغفرة والرحمة له ولعائلته؛طالبا منه رفع الوباء وحفظ
ذريته وصلاحها له،وتحسين خلقها وتنوير صدرها.ثم يوقظ زوجته ريتا؛ لتتكلف هي الأخرى
بنفس المهمة،حيث أنها تتوظأ وتقوم للصلاة،ثم توقظ صغارها،لتجد نفسها منهمكة في إعداد
الفطور،وتدعوا للجميع أن ينظموا لمائدتها الصباحية،فيتناول السيد رشيد طعام الإفطار
رفقة فلذة أكباده الثلاثة؛وقرة عينه ريتا.وريتا أسرعت لإحضار ملابسه؛حيث أنها هي من
تقوم بانتقاء أرقى وأجود ماجادت به خزانة ملابسه،ليرتدي السيد رشيد ماأحضرته له ريتا،فيضحى
أنيقا وسيما،ثم يتبادلان أطراف الغزل والمدح لما يقوم به السيد رشيد؛ وماتقوم به ريتا
كذلك،ليودع البطل عائلته،وريتا تلوح له بيدها وقلبها ينبض له،ولسانها يضم الدعاء و
ورجاء السلامة له.وبعد بضع دقائق،يقف السيد رشيد بسيارته أمام المستشفى،ثم يلج إلى
الداخل،بناية كبيرة عظيمة،يوجد في الجانب من الطابق الأرضي مكتب الإستقبال تديره شابة
يانعة؛ذات الملامح الشقراء،والعيون الزرقاء،تضع أحمر الشفاه وترتدي جينز أزرق ناصع.وفي
الجانب المقابل هنالك مكتب السيد رشيد،وفي جوانبه مكاتب السادة الأطباء؛زملاء السيد
رشيد،أما عن الجانب العلوي فهو مكان مخصص للمرضى.علاوة على الغرف والقاعات المخصصة
للأمراض الوبائية الخطيرة،فبعد اطمئنان السيد رشيد على المرضى بعد زيارته لهم وتبادله
معهم تحية الصباح،يجد نفسه داخل مكتبه ممسكا سماعة هاتفه،ليتفقد أحوال بيته،ويوصيهم
بالصبر والتصبر والاستبصار،وعدم القلق والقنوط من رحمة الله،وأهم شيء يوصيهم بالعناية
اللازمة بدراستهم وتعقيم أيديهم،والتزامهم بالحجر الصحي،ليعود في الساعة العاشرة ليلا
متعبا مرهقا.