adsense

/www.alqalamlhor.com

2021/05/28 - 11:58 م


بقلم الأساتذة الروائية حسناء وهابي

لم تصدق الطفلة الصغيرة أنها ستسافر بعيدا عن مسقط رأسها ، بعدما تم الإعلان عن نجاحها وتفوقها بميزة مشرفة ، فيكف لها أن لا تصدق !؟ وهي التي نال منها حر الدمع مانال من مقلتيها البريئتين .

جعلت الكتاب رفيق دربها واتخذت القلم عشيقا لها ، فحسناء ؛ أرادت أن تسلك الجهل والأمية عن طريق الإبحار في قنوات وممرات العلم والمعرفة ، لأول مرة ستسترس طعم الهجرة وتلثمه، لأول مرة ستغمض عينيها من دون قبلة أمها ، وداعا للحرية والطفولة ياحسناء ! ولأول وهلة ستطيع لأوامر مجحفة في حق طفلة نيئة . وصل اليوم المشهود لتجد نفسها واقفة طائعة لأوامر ضارية ، بل باتت لقمة سائغة في أيديهم ، بات الحزن رفيقها بعدما كان المرح موضعها ، والدموع سلاحها بعدما كان رذاذ لعابها يتناثر من فاهها ، وياويحك يا حسناء إن أقررت بامتحان ، وياويحك ياصغيرتي إن تأففت بالعدوان . بقيت الطفلة تعاني وتقاسي ، ومكثت لمدة ليست بالقصيرة ، إضمحل مجهودها وتراجع ، فأضحت تحصل على أدنى المعدلات الدراسية .

لكن المسكينة ماكان غرضها الأساس أن تعمل كخادمة في البيوت ، بل إن رغبتها كانت كمثل تلميذة مهاجرة قروية ، كانت فكرتها الأساس أن تحضى بعناية فائقة ؛ كي تستطيع التأقلم مع البيئة الاجتماعية ، لكن كفة العدالة الاجتماعية مالت لأقرانها ، وأغفلت حقوقها ، بسبب فقرها المضقع ، وبات الكهرباء يبتر من طرف ولي أمرها ؛ عندما تريد التحضير لامتحاناتها ، والضرب والنهك والصفع اتخذا مكانا قصيا . أصيبت باضطرابات نفسية قاهرة ، ضلت تتباين عن زملائها في أصولها الجغرافية ، لتتهم بالمكر والخداع رغم الجد والصدق في أعمالها وتصرفاتها . إنها فتاة قروية تائهة في المدينة ، ترغب في استكمال دراستها بكل فخر وهناء ، لكن المسكينة لقيت حتفها أمام عائلة استغلالية ، حيث أصبحت تشتغل عند محامية - بعدما كانت تدرس في القرية وترعى قطيع الماشية في هناء وعافية وفي غاية الأنس والحنان والحبور والسرور رفقة أبويها - تعلم كلبها الفرنسية ؛ وحسناء جاهلة أمية ، منهمكة في أعمالها الشاقة التي جعلت منها قضايا قضية . مكثت الطفلة في مدينة الدار البيضاء قرابة أزيد من سبع سنوات ؛ والتي حولتها الى نقطة سوداء في شوارعها وأزقتها . بقيت تعاني وتكابد حر الهجرة ؛   بل إن حر تلك العائلة لأشد حرا.رغم الظروف القاهرة القاسية العليلة التي كابدتها ، ولدت لها ظروف أخرى لم تخطر على بالها للبتة ، حيث عليها أن تجوب شوارع البيضاء رغبة في البحث عن عمل يخول لها شراء مستلزمات كتبها . بقيت على هذا الحال صابرة مستبصرة إلى أن تم الإعلان عن نتائج الباكلوريا ، بعدئذ فرحت الفتاة فرحا شديدا . لتسرع إلى محفظة ملابسها وتلقي النظر فيهم بإمعان ؛ وتبتسم ابتسامة فتاة يانعة ، لتدرف دمعات الفرح قائلة : "اليوم ذكرى أجمل يوم في عمري ، ذكرى مرور سبع سنوات على هجرتي وارتداء حجابي ، ذكرى حفرت في أعماق قلبي ، وطافت في حنايا عقلي ، وأسدت حبورا على حياتي ، كان ولايزال وسيبقى قراري الذي يحتفى به . لطالما لم يقدر أحد على أن يهز كياني ، ولا أن يبعثر وجداني أو يعبث بأعصابي ، سلاحي كان ولايزال وسيبقى الضحك أو البكاء ، فلا مكان للقلق والغثيان والضعف عندي .

أصحيح أنني فتاة قروية ضعيفة ؟ كلا ! بل إنني فتاة قروية مهاجرة قوية ."وانطلقت الأفكار والقرارات تعدو وتطرق على رأسها ، لتصل بنا إلى يوم تخرجها وتحقيق حلمها ورفع قبعتها ، لتطلق العنان لقلمها برغبة جامحة في استكمال دراستها ونهب كتبها والتهامهم عن ظهر قلب ، إن الدراسة عند حسناء لشغف .