adsense

/www.alqalamlhor.com

2021/03/13 - 5:56 م


 بقلم عبد الغني  فرحتي 

بلا شك، تعرفون من أكون. أنا لاتوريفيل الشهيرة، جوهرة باريس وقبلة السياح من كل البقاع. أنا الابنة الشرعية للمهندس العبقري كوستاف يفيل Gustave Eiffel رأيت النور منذ أواخر مارس 1889. عشت طفلة وحيدة، لم أعرف لي أخا ولا شقيقا. كان يخفف عني جليد الوحدة هذه، دفء الزوار الذين يتقاطرون علي بالملايين.

  لكن أواسط العقد الأول من هذا القرن، بلغني أن " خبراء " من قارة أخرى، من بلد عريق، من مدينة المعرفة والعلم والتاريخ، فاس، استفادوا من نظرية الاستنساخ  واستلهموا تجارب جامعة اسكتلندية التي توجت بظهور النعجة " دولي "، فتمكنوا من اصطناع نسخة طبق الأصل مني (توريفيل صغيرة) .

  منذئذ، سكنني الشوق إلى البحث عن " شقيقتي " ومد جسور التواصل معها، لكن جحافل السياح الذين يقصدونني على امتداد الأيام والأعوام، كانت تمنعني من تحقيق هذه الأمنية الغالية.

 ولما أطلت كورونا واستشرى الوباء اللعين. غدوت وحيدة بعد أن أغلقت المرافق السياحية بعاصمة الأنوار أبوابها وبعد أن غاب السياح والزوار. فوجدتها فرصة سانحة للتحرك من أجل البحث عن الشقيقة المزعومة. 

  نعم، أيها المشاهدون والمستمعون للبرنامج، قصدت فاس وأدهشني ما تحتضنه من كنوز تاريخية تستحق التثمين والتسويق السياحي الرفيع. وللحقيقة، فقد كاد جمال ما عاينته أن ينسيني ما جئت من أجله.  استمتعت بزيارة كل معالم فاس الكثيرة والرائعة، لكن شقيقتي لم تكن من بينها.

 قطعت المدينة طولا وعرضا دون أن أبلغ مقصدي. تشوقت إلى رؤية "الشقيقة" حتى ولو تكون نسخة مشوهة مني. لم أكن أشك في وجودها، فإحدى القنوات الفرنسية المشهورة كانت تحدثت عنها بل واستضافت من كان وراء هذا الاستنساخ العجيب. 

 سألت عنها الناس، فجاءت ردود فعل الفاسيين متعددة ومتباينة: منهم من سمع عنها فقط دون أن يعاينها، ومنهم من أكد لي أنها وجدت بالفعل وأنها كانت تتوسط ملتقى طرق كبير بالمدينة، لكن لأيام قلائل فقط، قبل أن يتم تهريبها في جنح الظلام دون أن يعلم الناس لذلك سببا ودون أن يعرف إلى أين هربت. 

   قلقت وتعمقت حيرتي وتساءلت: لماذا هربوا هذه " المعلمة " النسخة طبق الأصل مني؟ هل العيب في عملية الاستنساخ ذاتها أم أن العيب كل العيب، يكمن في أولائك الذين سعوا إلى تطبيق هذه النظرية في مجال حضاري لا يخلد فيه إلا ما هو أصيل، ولا مكان فيه للمستنسخ؟

 عموما، اسمحوا، وعبر هذا البرنامج، أن أوجه لكل الناس هذا النداء:

    سواء كانت "شقيقتي" هربت أو سرقت أو تعرضت للتزييف، فإني أتشوق إلى رؤيتها وصلة الرحم بها. أريد أن أحضنها، حتى ولو كانت " ولادتها " غير شرعية (بنت الحرام، كما يقال عندكم، حاشاكم).