بقلم عبدالغني فرحتي
إذا كانت بعض المصادر تشير إلى أن ظهور
مصطلح " الفوضى الخلاقة " يعود إلى بدايات القرن الماضي، فإن انتشاره في
الخطاب السياسي الأمريكي لم يتقو إلا مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي كانت قد
أعلنت مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي، عن توجه الإدارة الأمريكية، في إطار
مخططها الاستراتيجي إلى نشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط من أجل بناء وتهييئ ظروف
جديدة تسير نحو " تحقيق" الديموقراطية و" تحديث " الدول والأنظمة
التقليدية القائمة.
فهل يمكن أن نستعير هذا المصطلح ونربطه
بأحد القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات التي صودق عليها مؤخرا، يتعلق الأمر تحديدا
بالقاسم الانتخابي والذي استأثر بالنقاش والجدال بين الفرقاء السياسيين؟
هل يمكن اعتبار اللجوء لهذه الآلية الانتخابية
"القاسم الانتخابي" هو إجراء يتطلع مبتكروه والمنظرون له إلى إحداث خلخلة
في المشهد السياسي الوطني المتميز بالجمود وبث فيه نوع من "الفوضى الخلاقة"،
خاصة مع غياب تجاوب الأحزاب السياسية مع نداءات من أعلى مستوى تطالبها بإعادة تأهيل
نفسها؟
لا يمكن أن يتجاهل المتتبع للمشهد الحزبي
الوطني ما يعرفه من جمود وغياب عن الساحة والإخلال بواجب تأطير المواطنين. هناك تضخم
كبير في عدد الأحزاب السياسية، وحتى الأحزاب الكبرى، بفعل ضعف قيادييها، واستفحال تناقضاتها
وتغييب الديموقراطية الداخلية بها، تحولت، هي الأخرى إلى مجرد دكاكين انتخابية. صارت
مقراتها الفسيحة لا تدب فيها الحياة إلا عندما يحين موعد الاستحقاقات الانتخابية. والنتائج
المترتبة عن ذلك بادية للعيان: حضور ضعيف وتراجع مستمر.
وعلى الرغم من المبادرة إلى اتخاذ إجراءات
من أجل إعادة بعث الحياة في هذه الكيانات العليلة عبر التخفيض المتواصل للعتبة المؤهلة
للفوز بمقاعد انتخابية، إلى أن العلة استفحلت وصارت العديد من الكيانات السياسية الوطنية
مهددة بالتواري والنسيان ودخول غرفة الإنعاش. وربما يكون من أجل إنقاذها وتمديد عمرها،
تأتي هذه الآلية الانتخابية والتي بموجبها يتم توزيع المقاعد، على أساس عدد المسجلين
في اللوائح الانتخابية، لا على أساس عدد المصوتين، كما كان معتادا وكما هو مألوف في
الدول العريقة في الديموقراطية.
من الأكيد، حسب العديد من المتتبعين، أن
الاستحقاقات القادمة وبفعل اعتماد " القاسم الانتخابي"، ستفرز مزيدا من التشرذم
وستكون بنيتها الفسيفسائية عائقا أمام وجود مجالس منتخبة مستقرة ومكاتب مسيرة منسجمة.
الأمر الذي سينعكس بالسلب على عطاءاتها وإنجازاتها على المستويات المحلية والجهوية
والوطنية على حد سواء. سيستمر، كما هو ملاحظ حاليا على عديد من المجالس المنتخبة، طغيان
النقاش العقيم والتهافت على المراكز واقتسام الغنيمة وتحول الجلسات إلى مجرد سيرك للصياح
والضجيج، وهي سلوكات، من المنتظر، أنها لن تزداد إلا استفحالا بفعل البلقنة والطابع
الفسيفسائي الذي سيسم المجالس المنتخبة القادمة. بلا شك، وفضلا عن ذلك، وبفعل ضعف المنتخبين
وغياب حرص الهيئات التي سيخوضون الانتخابات باسمها على تكوينهم وتأهيلهم التأهيل المناسب
للمهام التي ستوكل لهم، ستعم الفوضى. ولا أظن أن أمرا مثل هذا، يغفل عنه من يقف مناصرا
لإجراء " القاسم الانتخابي".
فهل يمكن، والحالة هذه، اعتبار اللجوء إلى مثل هذا الإجراء، هو بمثابة إحداث نوع من "الفوضى الخلاقة" المدبرة والهادفة إلى خلق شروط بزوغ ميلاد مشهد سياسي وطني جديد وواعد؟.