بقلم عبد الحي
الرايس
دَفْقُ المعلوماتِ
والمستجدات، وتسارُعُ التغيراتِ والتحوُّلات التي تزايدتْ مع إطلالة القرن الحادي والعشرين
تضعُ الإنسانية أمام تحدياتٍ غير مسبوقة، فالْعِلمُ بنسبةٍ عاليةٍ يتطور، والعالَمُ
بوتيرةٍ مُتسارعةٍ يتغيَّر، مِهَنٌ تختفي، وَمَعَارفُ تُتجاوَز، تقنياتٌ تُستحدَث،
ومهاراتٌ تُسْتَجَدّ.
والتحدِّي الكبير
يَكْمُنُ في أنك لن تَحْصُلَ في المستوى المنشود على مُخَطِّطٍ ولا عالِم ولا خبير،
ولا مهندس ولا رائدٍ ولا طبيب، إذا لم تتوفرْ على مُرَبٍّ كُفْءٍ، ومُدرِّس قدير.
وهُنا مَرْبِطُ
الْفَرَس
فإذا كان الذي
يُقْبِلُ ـ عندك ـ على مهنة التدريس مَنْ لا مهنة له، وكنتَ تتعاقدُ معه بصورةٍ مباشرةٍ
على العمل، وتستهدفُهُ بالزَّجْر إذا طالبَ واعْتصم، فاعْلَمْ أنك تسيرُ في الطريق
الخطإ.
إنما التعليمُ
منارةٌ للعقول، ورافعةٌ للأمم، فمن عُنِيَ به وأضفى عليه الاعتبار كشف له اللآلئ، وفَجَّرَ
لديْهِ العبقريات، ومن استهان به وخذل أهله قعد به، وأبقى عليه في الظُّلُمات.
والبدْءُ يكون
برفع شأن التعليم، وجعله أولى الأولويات، ورفع قدر أهله حتى يكونوا في صدارة ذوي الخِبْرَات،
وعندها لن يُقْبِلَ على التعليم، ولن يُقْبَلَ فيه إلا من كان ذا مَوْهبةٍ وقابليةٍ
وشغفٍ واستعداد.
ولا مجال لإلْحَاقٍ
مباشر، فالموهبةُ ينبغي أن تُصْقَل، والقابليةُ ينبغي أن تُتَعَهَّد، وساعتها سيصيرُ
مُمْتهنُو التعليم يُمثلون الصفوة والنخبة، وسيخضعون لتعميق الخبرةِ في اللغة كأداةٍ
للتواصل والتبليغ، وفي البيداغوجيا كأسلوب للتكوين، والسيكولوجيا كمرجعيةٍ لِسَبْرِ
نفوس المتعلمين، والحث على تفريد التعليم، والعمل بروح الفريق، وموادِّ التخصُّص كمعارفَ
وعوالمَ تُرْتاَدُ وتُوَظَّف، ثم يُعَوَّدُون على تكوين مستمر، وقدرةٍ على استعمالِ
جديدِ التقنيات، والتكيٌّفِ مع طارئ المُسْتجدات، والتمرُّسِ بحلِّ المُشكلات، وبِتعلُّمٍ
ذاتي يدأبُون عليه، يَنقلون مهاراتِه إلى المتعلمين، ويُكْسِبونهم آلياتِهِ وطرائقَه.
والصيْرورَةٌ تُنبئُ
عن غدٍ حافلٍ بالتحوُّلات والتحديات، فمن تحسَّبَ لها وركبَ مَوْجةَ الإعدادِ لها ظفرَ
وفاز، ومَنْ أهمْلها وتغافل عنها خسر وخاب.