مقال لصحفي انفصالي من البوليساريو يستحق القراءة
و بينما يشتد الطوق على أعناقنا و تضيق
حولنا المساحات السياسية و الدبلوماسية و حتى العسكرية، يأبى القدر إلا أن يزيد حزن
رب البيت الأصفر و يختار سيدة الصمود “تكبر منت عبد الجليل” والدة الأخ القائد “إبراهيم
غالي” التي تخطفتها المنية، و لا يسعنا أمام هذا الحدث الذي يراه الجميع سنة الله في
خلقه، و نراه نحن رزية يصعب نعيها، غير الدعاء لها بالرحمة و الغفران و جنة الرضوان،
لأنها كانت أمنا جميعا، و كم أخشى على الأخ “إبراهيم غالي” أن يجافيه التوفيق أكثر
و تشتد عليه الكروب، بعد رحيل مظلة الرحمة التي كانت تدعو له بظهر الغيب، و أن لا يظلم معه الشعب الصحراوي و قضيته، لأن الأيام
التي نعيشها لا تبشر بأن ثمة انبلاج لهمومنا جميعا…
فقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية على حساباتها
صورا جوية و أخرى بحرية لمناورات ضخمة، جعلت لها من الألقاب “مصافحة البرق”… هذه المناورات
تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بحاملة الطائرات “إيزنهاور” النووية الدفع،
و بأسطول جوي يفوق الـ50 طائرة بينهم مقاتلات من طراز F18، و طائرات التجسس و الربط و الاستطلاع و الحرب الإلكترونية AWACS، و مدمرة و عدد من
الزوارق الحربية، فيما شارك الجيش المغربي بفرقاطة كبيرة من نوع
F613 و التي
تحمل اسم “طارق بن زياد”، إلى جانب أسراب من طائرات F16-BLOK52 و مقاتلات من طراز
F5-E المعدلة
حديثا.
هذا التمرين الضخم جرى خلال أسبوع كامل
بين الجيشين في مياه الصحراء، على بعد عقد بحرية قليلة من جزر الكناري، بالجزء
الذي جرى ترسيمه مؤخرا من طرف الرباط، و نتذكر جميعا كيف أثار الأمر غضب مدريد و الجزائر
و البيت الأصفر…، و لم يتمكن أحد من إرغام الرباط على توقيف إجراءات عملية الترسيم
من طرف واحد، و فرضت الرباط على الجميع الأمر الواقع، و قامت بتحفيظ
الصحراء بترابها و مياهها و أجوائها.
و إلى هذه الحدود الأمر يبدو تقليديا و
نصنفه جميعا في إطار مناورات الرباط للسيطرة
على ملف الصحراء، و مواصلة التغلغل
داخل العمق الإفريقي، مستغلة في ذلك حالة الوهن
الاقتصادي و السياسي للحليف الجزائري ..، لكن
عند الدخول في تفاصيل تلك المناورات و الطريقة التي تمت بها، و أيضا تزامن الأمر مع
إعلان الأمم المتحدة بصريح العبارة تخليها عن الصراع و إدخالها للقضية الصحراوية للرفوف
المنسية، و استحالة العثور على مبعوث أممي، و بدأ حرب الأعصاب بين مدريد و الرباط بعد
أن هاجم 150 مهاجرا من دول جنوب الصحراء سياج مدينة مليلية، و اجتاز منهم 52 إلى داخل
المدينة… كل هذا يجعلنا نعيد تركيب المبهم من هذه المناورات و البحث عن معلومات أعمق
و أدق لتشكيل صورة الوضع السياسي و الإستراتيجي بالمنطقة، و تحديد ما يقع بالضبط، و
الذي يخصنا و يعنيا من قريب و من بعيد.
و بعد تجميعنا للمعطيات حول المناورات العسكرية
تبين أن الرباط و واشنطن لم يبلغا إسبانيا بإجراء ذلك التمرين و استخدامهما للذخيرة
الحيّة حيث فاجئها الأمر، و الدليل ارتباك حركة الملاحة الجوية في سماء جزر الكناري
و اضطرار الأبراج الجوية لتحويل خطوط الرحلات و إلغاء بعضها، و اعتبار الإعلام الإسباني
للأمر رسالة واضحة من المغرب و وأمريكا إلى مدريد، بأن التحالف بينهما يتجاوز العلاقات
الإسبانية الأمريكية، و أن الولايات المتحدة- اليوم- لديها مصالح لا تتعلق بالتطبيع
المغربي الإسرائيلي، بل بمنافع أكبر و أعظم.
و رغم ضعف المصادر و شحها، إلا أننا توصلنا
من المصادر المتاحة، إلى توضيح يخص الإعلان الذي تم بين الرباط و الولايات المتحدة
الأمريكية حول الشراكة العسكرية التي جرى التوقيع عليها و إعلانها خلال أكتوبر من السنة
الماضية، بأنها لا تتعلق بصفقات تسليح فقط و نقل للتكنولوجيا، بل الأمر مرتبط بخطة
دفاع مشتركة بين الرباط و واشنطن تلتزم خلال أمريكا بحماية مصالح الرباط ضد أي تحالف
دولي أو قوة في إشارة إلى دول الإتحاد الأوروبي، و هو ما توضح لنا من خلال صمت مدريد
على المناورات و اكتفاء الإعلام بالتهكم على حكومة “بيدرو سانشيز”.
مع هذه المعطيات التي كشفتها المناورات
يتضح أن الإعلان الأمريكي بخصوص الصحراء لا علاقة له بالتطبيع بين المغرب و إسرائيل، بل يتعلق بما كتبت حوله الصحافة الإسبانية
و سمته الصراع العظيم حول معادن جبل “تروبيك” البركاني الذي يقبع في الخسف القاري للمياه
التي جرى ترسيمها من طرف دولة المغرب، و الذي يندرج ضمنه أيضا انزواء مواقف برلين
في الركن الذي أغضب الرباط، حيث يرى الخبراء أن ألمانيا ترى في استغلال أمريكا للجبل
تهديدا لمستقبل الصناعات الميكانيكية، و يتيح لواشنطن تعويض المعادن التي فقدتها بسبب
معاركها الاقتصادية مع الصين
.
للتوضيح أكثر، فإن الصين و إفريقيا هما
الموطن الوحيد لتلك المعادن النادرة التي تدخل ضمن الصناعات العالية الدقة، مثل الكوبالت،
والتيلوريوم، والباريوم، والنيكل، والفاناديوم، والليثيوم…، و الصين بعد أن فرضت عليها
واشنطن قيودا للدخول إلى السوق الأمريكية، بدورها منعت تصدير تلك المعادن لأمريكا،
و وجود جبل “التروبيك” هو طوق نجاة للصناعات الأمريكية المستقبلية، و أمريكا ستعمل
كل شيء للحصول على ما يكفي صناعاتها منه، أي أنها لن تعير إسبانيا أي اهتمام من أجل
مصلحتها الصناعية، و ألمانيا ترى في الصناعات المستقبلية بما فيها السيارات الكهربائية
حربا على صناعاتها الميكانيكية التقليدية، و ترى خراب شركات Volkswagen و Mercedes-Benz و AUDI و BMW وشيكا، لهذا هي تدعم عدم حصول واشنطن و
أي قوة صناعية عالمية على تلك المعادن و بقاء المنطقة أرض نزاع، في انتظار التحاقها
بركب تلك الصناعة و عثورها على مناجم تلبي طلبها و تتيح لها التحول إلى صناعة السيارات
الكهربائية بكل أريحية.
و لإظهار إصرار الرباط على إذلال إسبانيا،
فقد شارك جيش المغرب في تلك المناورات بفرقاطة تحمل اسم “طارق بن زياد” ، في إشارة
إلى أمرين؛ أن المغرب استعاد قوته التاريخية في المنطقة، و أنه يستخدم فرقاطة تحمل
الاسم الذي يزعج الأسبان و يعتبرونه كابوسا تاريخيا، و يذكرهم أيضا دعمه المبطن للتاج
البريطاني في قضية جبل طارق الذي يعتبر شوكة في قدم مدريد، كما شاركت في المناورات
طائرات الـF-5E التي اخترقت الأجواء الإسبانية خلال شهر
غشت من سنة 2020، و كشفت الدفاعات الأرضية لمدريد.
هذه المعطيات و ارتباطها بالمناورات الضخمة
للولايات المتحدة الأمريكية، تجعلنا نتأكد من أمرين؛ أولهما أن الإعلان الأمريكي ليس
مجرد تغريدة للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، “ترامب”، بل هو توجه إستراتيجي أمريكي،
و ثانيهما أن القضية الصحراوية أصبحت قضية مصالح بين العمالقة الكبار، و أن الرباط
– كما قال سفير الدومنيكان خلال تقديم أوراق اعتماده في الرباط -:”أنه فخور بتمثيل
بلده في المغرب الذي أصبح من الدول العظيمة و القوية بالبحر الأبيض المتوسط”، و في
هذا إشارة إلى أن العالم يتغير في العمق الإستراتيجي و أن المغرب هو فعلا ضمن نادي
القوى الخمسين الصاعدة حسب التقارير السرية للبنك الدولي.
Euromagreb