بقلم الأستاذ حميد
طولست
تُرجِعُ الدراسات
أن أسباب ديوع ثقافة الجفوة والحقد والكراهية في المجتمعات العربية والإسلامية على
هذا النطاق الواسع والخطير ، إلى التواؤم مع المكروه بالصمت وعدم إفصاح عامة الناس
عما تحمله قلوبهم من المشاعر المرهفة والعواطف النبيلة الراقية التي هي أساس ما يميّزهم
عن غيره من الكائنات الأخرى ، العادة السيئة التي تقض مضاجع الكثيرين وترهق كواهلهم
، والتي لا يُتخلص منها إلا بإظهار المحبة ، والإفصاح عن عواطف الطيبة والتعاطف النبيلة
، التي هي الأقدر وحدها على إشاعة السلام والتواد والتكافل وتنمية الانتماء للآخرين
والقبول بالعيش معهم تحت أجنحة السلم والسلام الذي يحقق التماسك والاستقرار الاجتماعي
، وينشر التعاطف والتسامح بين البشر، ويعمم خصلة الاهتمام بهموم الغير وظروفهم ، كما
يبين ذلك وبوضوح مام الحديث النبوي الشريف: "إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين
له ، فإنه خير في الألفة ، و أبقى في المودة " .
فلماذا يصر فقهاء
الكراهية ، على تحريم إظهار الحب ، والإفصاح عن مشاعره النقية بكل الطرق والوسائل حتى
لو كانت احتفالا بعيد أو أعيادا، بعد كل هذه الدعوات الصريحة لإظهار ما تختزنه القلوب
من المحب والأُلفة التي تنشر التسامح والسلام بين خلق الله ، وتلغي مفاهيم الكراهية
، وتميتُ الأحقاد الدفينة ، التي إذا انتشرت في مجتمع متخلف جاهل ، فمصيره الانهيار
لا محالة، لأن الحقد داء فتاك يفسد القلوب، ويوسع الجفوة ويباعد بين الناس، ويؤجج تآكل
الكثير من فضائل نفوسهم، ويدمر كل جميل فيها ، كما قال عنها الشاعر:
الحقد داءٌ دفينٌ
ليس يحمـله... إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل.
ولتذكير منتقدي مقالتي السابقة " لا يفل الحقد والكراهية إلا الحب، فلماذا لا نحتفل به وقد دعا الإسلام إليه؟ " أقول: أنني حينما دعوت للاحتفال بعيد الحب ، لم اقصد التقليد الأعمى لكل مظاهر صرعات الموضة السائدة في زمن العولمة المقتصرة على جزء كبير من احتفاليتها على الماكوتيغ ، وإنما قصدت تلك المظاهر المتوافقة مع تطور الحياة والمجتمعات، والمتلائمة مع الشريعة الإسلامية السمحة المقتدية بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، التي تشمل جميع العلاقات الراقية بكل مفاهيمها الإنسانية العامة ، والمعيدة لما هرب من حياتنا الاجتماعية من حميمية التعاطف ولحمة والمودة ، التي عوضتها النرجسية المتضخمة والأنا الطاغية وحب النفس المتوحشة ، بدعوى صون دين مناقض للفطرة والبداهة التي ولد عليها الإنسان "يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه" الرسالة الإنسانية الخالصة التي جاء بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والتي تمشي على جميع الأسوياء.