ابراهيم فارح
في إطار ما بات
يعرف بأزمة مواقف السيارات بفاس، والتي انبرى لها الكثير من الفعاليات المجتمعية بالنقد
والتحليل، لكن لا أحد منهم حرك مشاعر العمدة ونوابه ومن يستتر تحت جلباب مسيري الشأن
العام بالمدينة، إلا حديث نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد،
الذي كان يستحق ردا رسميا، أذيع على أثير الفضاء الأزرق.
في عهد الكوابيس
هذا والهاوية السحيقة التي انحدرت إليها السياسة في المغرب، بات من المألوف في أية
أزمة طرفاها على طرفي نقيض الخروج عن قواعد "اللعب النظيف" وغلبة لغة الكراهية
والتحريض والتنابز بالمصلحة العامة، حيث يعتقد كل طرف أنه يوجع ويؤذى المشاعر العامة
للطرف الآخر، وعندما تغيب الضوابط والأصول،
فإن فوضى العبارات والتصرفات بالإمعان في التجريح تأخذ في طريقها كل قيمة إنسانية وكل
مشترك.
كان على السيد
"ادريس الأزمي" أن يتعفف عن الرد، لأن
التلاسن لا هو صحيح أخلاقيا ولا مفيد سياسيا ولا يؤسس لأى تضامن حول أي قضية.
في مثل هذا النوع
من الملاسنات تطفو على السطح أسباب سياسية واجتماعية وثقافية، عنوانها العام البحث
عن متنفس للضيق الفادح بالأحوال "المائلة" تحت وطأة هزائم الواقع والسياسات.
فما أقدم عليه
السيد العمدة، لا يعدو أن يكون بحثا عن "عدو بعيد" بدلا من "العدو الحاضر"،
بصياغة أخرى فإنه هروب من الحاضر وقسوته بأكثر الألفاظ والتصرفات توغلا في الغلاظة،
كأنها حل لهذه المشكلة، وعلاج لكل جروح هذه المدينة المصنفة من قبل ساكنتها وزوارها
"منكوبة".
بصفة عامة، فردود
الساهرين على تسيير الشأن العام في مدينة فاس، المفرطة الغلاظة تعبير عن أزمة عميقة
وحقيقية، حيث تتعرض هوية المنتخب القريب من هموم الشعب للتآكل والتجريف والتشكيك فيها،
دون أن يكون هناك إدراك كاف لمغبة هذه الملاسنات المتفلتة من كل قيد.
وهكذا يريد زعيم المهاترات أن يخبرنا بأنه يملك القدرة على حل جميع
الأزمات في مدينة فاس، لكن المشكلة في كل هؤلاء الآخرين، الذين يعرقلون مسيرته!
إن خطاب السيد
العمدة، شبيه بكل خطاباته التي يمكن وصفها
بأنها عبارة عن توهم بوجود معركة بين الحق والباطل، يقودها هو ومن والاه، وأن القدر
قد اختارهم ليقودوا هذه المعارك التي تعبر عن شعارات و"أيديولوجيات" لا علاقة
لها بمعاناة المواطن ومتطلبات معيشته، لذلك تجدهم يرفعون شعار المقاومة والنضال وهم
بيدهم مقاليد السلطة والحكم!.
أيها السادة، يا
من جعلكم الله القدر الذي نطلب اللطف فيه، إن هذه الملاسنات لا تبنى ولا تعمر الأوطان،
كما أن مصلحة مدينتنا لا يمكن أن تجمع المتناقضات بين مصالح مافيات حزبية وسلطوية،
وبين تحكيم القانون في إدارة أمور المجتمع.
"إن نقد طريقة
التدبير و الاشتغال من قبل المعارضة و الصحافيين و الكتاب ليس كفرا، كما أن نقد أحزاب
سياسية لأحزاب أخرى ليس كفرا، لكن الخلط بين النقد و الهروب يمنح الاستعلاء و الانزواء
و التحدي حضورا راجحا على حساب النقد البناء والنقاش الموضوعي، ويستعصي معها وفي ظلها أي حوار".
مقتطف من مقال
سابق