بقلم عبد الحي الرايس
دولة مَزْعومة
تُقيم في قفص، أهاليها مُحتجزون بخيام في فقر ومَرَض، وسادتُها يتنقلون بين الأمصار
في بذخ وسَرَف، يلهثون وراءَ سَرَابٍ من وَهْمٍ ودَجَل، يَرُومُون انتزاعَ حقٍّ من
أصحابه مُكتسَب،
يُحرِّكُهم جارٌ
لا يكفُّ عن الأطماع ورُكوب الخطر، مُبْقياً على ذويه في ضعفٍ ووَهَن، وخصاصٍ وسَغَب
والعَجَبُ كلُّ
العجب أن يتواصلَ الحديث بنمطيةٍ لِنِصف قرن من الزمان، عن دولةٍ بلا عُمْران، تُقامُ
على كثبان، تعتمدُ مغالطاتٍ كُلُّها بُهتان.
والعالَمُ من حول
الجميع تغيَّر، وما كان شتاتاً بنُشدان التماسك والقوة توحَّد، فنال من ذلك البأس والسُّؤْدَد.
وما كان بالأمس
شعاراً يُردَّد، صار اليوم أسْطُورَة تُفَنَّد
استمر النزاع بين
جاريْن أسيويين طويلا، واحتدم الصراع بينهما حديثاً، وأوشكا على حرْبٍ مُدمِّرة، ثم
جلسا على طاولة المفاوضات، وعلا صوتُ الحكمة، فتبدَّد الخلاف، وعَمَّ السلام.
وقروناً قبل الميلاد
تناقل الفلاسفة الإغريق عن رائدهم قوله: " أنتَ لا تنزلُ النهر مرتين" فقد
تفطَّن الحكيم إلى أن النهر يجري، وماؤه باستمرارٍ يتغير ، وأفاد ذلك في توجيه التجربة
الإنسانية إلى المُضي في تجديد الخبرة، وتجاوز الذات، والكفِّ عن تَكْرار نفس الأخطاء،
إلا إذا توقف النهرُ عن الجريان، وصار مُسْتنقعاً تتردَّدُ فيه نفسُ المعزوفة، ويُلَاكُ
فيه نفسُ الكلام، وهذا الذي لا يزالُ يَحْدثُ لحدِّ الآن، لدى جار عنيد يَجهر بالعداء،
ويُلقنه للأجيال، ويدفع ُبمحتجزيه ليكرِّس العُدوان، مُردِّدين مغالطاتٍ ما أنزل الله
بها من سلطان، كل ذلك على حساب تجويع رعاياه، وتعطيل بلاده عن الإنتاج والازدهار.
والحالُ أن المستقبلَ
للوحدة والاندماج، والتكامل والإخاء، والسير قدماً لارتقاء مدارج النماء.
وصوتُ الحكمة يقول:
جيراناً كنا ولا نزال، مرجعيتنا أرومة تعتز بالعقيدة واللسان، ومُصاهراتٌ قامت على
زيجات وخلفت الأبناء والأحفاد، فهل لنا في صحوةٍ تحث على نكران الذات، وتبعث على توحيد
الأوطان، واستحضار مستقبل الأجيال، وكرامة الإنسان، ففي ذلك عَيْنُ العقل والرُّجْحَان.
وصفوة القول أنَّ
: "ما قام على الصِّراع والحرْب يُوهِنُ ويُبِيدُ ويُفْنِي، وما قام على التصافي
والوِئَام يُقوِّي ويُغْنِي ويُبْقِي"
وما أنْضجَ وأعقلَ
اليدَ الممْدُودة للسلام.