بقلم عبد الحي الرايس
الطفولةُ تُرْبَة
خِصْبَة نَدِيَّة، قابليتُها للاكتساب جيِّدة، إذا تنوعتْ لديْها الأنشطة، تعدَّدتِ
المهاراتُ وبرزت عندها القابليات، وإذا استغرقها نفسُ النشاط ظلتْ أسيرةَ النمطية.
ولٍنُمُوِّ الطفل
تجلياتٌ شتى:
ـ فهو حَرَكيٌّ
يُقْدِرُهُ على المشي والجري والتسلق والقفز، وكل ذلك يُقوي الجسمَ ويُكْسِبُه المرونةَ
وخِفَّةَ الحركة، والسباقُ والدراجةُ والكرة والسباحة والكتابة وغيرُها كُلُّها ألعابٌ
مُمْتعة، ووسائلُ مُسْعٍفة، وهو نمو ياتي مُتدرِّجاً ولا يتحقق بالطًّفْرَة، ولكن كلما
لُوحظت لدى الطفل الْأُهْبَة، كان على المربي التعهُّدُ بالصقل والرعايةِ واستغلالِ
الْفُرْصَة.
ـ وهو حِسِّيٌّ
يَكتشفُ به الحواس، يُوظفها، ويُطورها، وتصيرُ عوناً له على التواصلِ مع محيطه والتفاعلِ
معه، عن طريق المُمايزة بين الأصواتِ والألوانِ والأذواق والأبعاد ومَلْمَسِ الأشياء.
ـ وهو عقلي يكتسبُ
به اللغة والمفاهيم، وعن طريقهما تقوى لديه القدرة على الاستدلال والتعبير، والمقارنة
بين الأشياء والمقابلة بين الأفكار، ومحاكمة الأعراف والتقاليد.
ولو تُرِكَ الطفل
لحاله، لأمعن في الحركة والنشاط، وتَكْرَارِ نفس الألعاب، في اندفاعٍ ونسْجٍ على نفس
المنوال، ولَمَا حقق شيئاً ذا بال.
لذا كان تنويعُ
الأنشطةِ عَوْناً ثميناً على تَعَهُّد مُخْتَلِف مظاهر النمو بالدُّرْبَةِ والْمِرَان،
في تكامُلٍ وانْسجام، مما يُتيحُ الفرصة للمواهب أن تتفتَّق، وللقابلياتِ أن تنمُوَ
وتتفتَّح.
وقَصُّ حكايا الجدات،
وتَحَيُّنُ فُرَصِ غرْس وامتحان القيم، وإذكاءُ الولع بقراءة القصص والحكايات، والاهتداءِ
إلى حل الألغاز، ومعرفةِ أصل الأمثال، والإتيانِ بالمرادفات والأضداد، وتمارين البحث
في معاجم الصغار عن صور الأشياء، ومعاني الكلمات، وتجارب التشخيص والتمثيل، ومحاكاة
الأداء والإنشاد والترتيل، والإمساك بالريشة للرسم والتشكيل، كُلُّ ذلك يُطوِّرُ المهارات،
ويُنمِّي الخيال، ويَشْحَذُ الذكاء.
ويبقى أن الصبيَّ
عن الصبيِّ أَلْقَن، وهو عنه آخَذ، وبه آنَس، فلو أُتِيحَتِ الفرصةُ للطفل أن ينْدَمجَ
مع الأتراب، ويُشاركَهُمُ الأنشطة، وينافسَهم في الألعاب، لكان ذلك عوناً على تسريع
النمو، وتعزيز الثقة، وتقوية الاعتدادِ بالذات.
وَدُورُ الحضانة،
ورياضُ الأطفال حين تسْتوفي تجهيزاتِها، وتُحْسِنُ انتقاءَ أُطُرِهَا تُحقِّقُ الكثير،
ولكنَّ الأسرة إذا استوعبت التوجُّه، وحَرَصَتْ في وقتٍ مُبكِّرٍ على حُسْن التنشئةِ
والتعهُّد، مَكَّنَتْ صِغارَها باكِراً من تَلَمُّسِ الطريق، والاهْتداءِ إلى سَوَاءِ
السًّبيل.