adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/12/09 - 11:00 ص

بقلم عبد الغني فرحتي 

لا أدري كيف وجدت نفسي اليوم، وأنا أتأمل المشهد السياسي الوطني، الحزبي على الخصوص، أستحضر واقعة حزينة ترتبط بالمجال الرياضي، بقيت محفورة في ذاكرتي وفي ذاكرة أجيال عديدة. يتعلق الأمر بالمباراة التي احتضنتها البيضاء في مثل هذا اليوم سنة 1979 والتي عرفت هزيمة كبيرة لفريقنا الوطني. وقد كان من تداعيات هذه الهزيمة المرة أن تم حل المكتب الجامعي والاستغناء عن المدرب. أما الأهم في كل ذلك، إن لم تخني الذاكرة، هو قرار التعليق المؤقت للمشاركات الدولية والدعوة إلى إعادة تأهيل الكرة المغربية والعمل على تكوين فريق جديد قادر على التمثيل المشرف.

   يحل اليوم التاسع من دجنبر ونتذكر أنه في نفس هذا اليوم، قبل واحد وأربعين سنة، عرفت الكرة المغربية تلك الانتكاسة. ولعل ما دفعني إلى استحضار هذه الذكرى اليوم هو ربطها بالمشهد السياسي الراهن الذي يتجلى بشكل واضح وضعه السيء وخاصة وبلدنا مقبل على استحقاقات سياسية حاسمة. فالأحزاب السياسية تشكو الضعف وغياب القواعد ونفور النخب، فيطرح السؤال: كيف ستواجه هذه الأحزاب الانتخابات المقبلة؟ من ستقترح من شخصيات ووجوه يمكن أن تكون ذات تأثير على الناخبين؟ أية برامج بلورت لإقناع قواعدها ــ إن بقيت لها قواعد ــ قبل أن تقنع الجماهير؟

   ومما يزيد الوضع سوء هو العزوف الكبير عن المشاركة السياسية، عزوف من المنتظر، بحسب العديد من المتتبعين للشأن السياسي الوطني، ألا يزيد إلا استفحالا، وذلك يعود إلى عوامل يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي. ففضلا عما تعرفه الكيانات الحزبية من أزمات ومشاكل تنظيمية، هناك عوامل متعددة ساهمت في تكريس النفور من المشاركة وتبخيس العمل السياسي.

    لنترك تفصيل الحديث في هذه العوامل. لنقف فقط عند موضوع استأثر باهتمام الأحزاب السياسية مِؤخرا، يتعلق الأمر بالعتبة. بالأمس القريب، كانت هيئات سياسية وطنية تدافع وبإصرار، على الرفع من هذه العتبة من 10 إلى 12 بالمائة لما لذلك من دور إيجابي في تشكيل حكومة قوية، فأصبحت اليوم وبعد أن تم تخفيضها عشية الاستحقاقات التشريعية الأخيرة إلى 6 بالمائة، لا ترى مانعا في تخفيضها إلى 3 بالمائة.

  ولعل من البواعث الكامنة وراء هذا التخفيض المتواصل للعتبة، محاولة بعث الحياة وضخ بعض الأكسجين في كيانات حزبية والتي بسبب مشاكلها المزمنة، دخلت منذ مدة مرحلة الموت السريري. وإذا كان النظام الانتخابي المعمول به حاليا يجعل من الصعب فرز أغلبية قوية متماسكة البنية، فإن مواصلة التخفيض في العتبة سيزيد المشهد السياسي بلقنة ولن يفرز إلا تشكيلة حكومية ضعيفة بسبب تعدد مكوناتها وبنيتها المتناقضة.

  إن هذه الجهود التي بدلت من طرف أحزاب سياسية للإقناع بنجاعة إجراء تخفيض العتبة، لو بدلت من أجل تصحيح اختلالاتها وتجاوز مشاكلها التنظيمية، لكان ذلك سيعود عليها وعلى البلد بالنفع الكثير.

   لقد سبق لعاهل البلاد في إحدى خطبه السامية أن حث الأحزاب السياسية على إصلاح ذاتها وتطوير أدائها. وإذا كان المتتبعون يلمسون ضعف التجاوب واستمرار الوضع على ما هو عليه، فإنه يبقى من الأفضل، ونحن نستحضر ما حصل يوم التاسع من دجنبر 1979، وما ترتب عن تلك الهزيمة المرة من التعليق المؤقت للمشاركات الدولية والتفرغ لتأهيل الكرة الوطنية، فإنه، ربما يبقى من الأفضل والأنجع، بالنسبة لمشهدنا السياسي الوطني، الدعوة إلى تعليق الاستحقاقات القادمة والدفع بالأحزاب السياسية إلى إعادة تأهيل نفسها وتجديد أدوات عملها وأساليب تدبيرها وتطوير مرجعياتها وخلفياتها النظرية. فهذا يبقى السبيل المفيد لاستعادة مكانة هذه الأحزاب وتوسيع قاعدة المتعاطفين معها والراغبين في ممارسة النشاط السياسي فضلا عن بعث الثقة ومصالحة المواطنين، خاصتهم وعامتهم مع السياسة.