بقلم عبدالجي الرايس
تَشْبِيكٌ يُسَرِّعُ
لَدَيْهَا الوحْدَة، ويُعِيدُ إليها القوة، ويُضْفِي عليها الْهَيْبة، ويُحقق لها الازْدهارَ
والنماء.
والعالَمُ يَمُور،
وكُلُّ فَلَكٍ بما فيه يَدُور، وجرَتْ عادة الله في خلْقه أن الحوتَ الكبيرَ في البحرِ
يبْتلعُ السمكَ الصغير.
وفي عالَمنا المعاصر،
علَّمتْنا العوْلمة أن الاقتصادَ الكبير يلْتهمُ الاقتصادَ البسيط، ولا يُبْقي له إلا
على النَّزْرِ اليسير، وتَدَافـُعُ الدول أبَانَ عن كبرى وصغرى، ومن أسف أن الكبرى
دأبت على الهيمنة، وإمْلاءِ تعليماتها على الصغرى.
تفطنت إلى ذلك
دولٌ في أوربا كانت بينها حروبٌ وبَغْضاء، فنبذت خلافاتِها، وأزالت الحواجزَ بينها،
وجنحتْ إلى توْحيد الكيان، وتحقيق السلام، وبِوَحْدتها انتزعَتْ نِدِّيَّتَها، وصار
لها موقعٌ يُرْعَى، وصَوْتٌ يُسْمَعُ بين الكبار.
قد يتعلَّلُ البعضُ
بالإكراهاتِ الظرفية، والصراعاتِ المرحلية التي تُلْجِئُ إلى تحالفاتٍ لتجاوُز الأزمة،
وربح الجولة، ولكنْ لا شيْءَ يَحُولُ دون التبصُّر بتبِعاتِ المستقبلِ المنظور، وقراءةِ
ما قد يُسْفرُ عنه التعاقدُ المَمْهُور.
وعند الأوْبةِ
إلى الذات، والتحسُّبِ لما هو آت، يتراءى أن السعْيَ للتشبيك، ولمّ الشتات، بين أقطارٍ
تجمعُ بينها الأرُومة واللسانُ والعقيدة، سيكونُ لا محالةَ عَوْناً على تحقيق الوحدة،
وربح رهان الأمة، وعندها لن يعود ثمة حوارٌ من موقع الاِسْتقواء والاستنجاد، وإنما
من مستوى النِّدِّيَّةِ وصَوْنِ الْهُوِيَّة، وذاك لَعَمْرِي عيْنُ الصواب، ورأسُ الحكمة.
فهلاَّ كان إحلالُ
التوافق والتفاهم مَحَلَّ التجافي والتخاصم؟
وهلاَّ كانت الموازنةُ بين مُخَلَّفات الصراع والفـُرْقة، ومكاسب الوفاق والوحدة،
فيحضر العقل والحكمة، والتحسب والفطنة، ويصير السعي والمُرام، نبذَ الخلاف، وتوطيدَ
أواصر الوُدِّ والتساندِ والوِئام.