بقلم الأستاذ حميد
طولست
جرت العادة عند
مناقشة أي طارئ ، أو تداول أي جديد ، أن تتضارب وجهات نظر الناس وتنقسم آراؤهم ، كما
حدث في تعاطي الكثيرين مع قضيتي "استئناف العلاقات مع إسرائيل" و "الاعتراف
الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه" اللتان يبدو أن غلبة الجانب العاطفي عليهما
وفورة المشاعر الجياشة والتدخلات والتحليلات المتشنجة غير الموضوعية التي يختلط فيها
الدين بالقومية والوطنية، قد قسمتا المغاربة على أنفسهم إلى رأيين لا ثالث لهما ، واحد
مؤيد بتعصب شديد لقرار الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ، ويرى أنه سيشكل
تحولا كبيرا في قضية الصحراء ، وتعزيزا لإستراتيجية المغرب وتقوية لموقفه الدولي وخدمة
لمصالحه الوطنية العليا ، وتغييرا في التوازنات الإستراتيجية بالمنطقة ، وآخر معارض
بتطرف وتخوين لقرار استئناف المغرب لعلاقاته الثقافية والدبلوماسية العريقة والدائمة
مع اليهود المغاربة ، على اعتبار أن ذلك خيانة للقضية الفلسطينية ، وهو سلوك بشري عادي
وطبيعي مادام الناس ليسوا على نمط واحد، وأن الاختلافات والتباينات بينهم كثيرة ومظاهر التضاد عديدة لدرجة يستحيل معها أن تكون
العقول والأفهام والأذواق والميولات على مقاس واحد ، ونمط متشابه، ورأي واحد لا يتغير،
لمخالفة ذلك الإجماع للطبيعة البشرية التي لا قرار يحظى معها به ، اللهم إذا كان إجماعا
قسريا مفروضا بالقهر الذي ينهي الحرية التي تضمن حق الإنسان في أن يعتنق ما يعتنق ويرفض
ما يرفض - كما يقول "فرنسوا ليوتار":"الإجماع هو نهاية للحرية ونهاية
الفكر" ..
فمتى يفهم مناهضوا
التطبيع أن حق مدعمي التطبيع مكفول -ما دام دعمهم
يحترم القانون ويلتزم بالمشروعية ، وليس فيه أي تحريض أو ممارسة للعنف ، أو
إيحاء لآخرين بممارسته- وأنه منطقي أن يصبح استئناف علاقات المغرب الثقافية والدبلوماسية
العريقة مع اليهود المغاربة ضرورة ملحة ، والاعتماد
عليه والعمل به واجب وطني ، مادام أنه سيحقق انتصارا وطنيا ودوليا لوحدته الترابية
دون أن يشكل عرقلة أمام حل القضية الفلسطينية
، كما يفعل التطبيع الأمني والسياسي لقيادة فلسطين مع الكيان الصهيوني ، الأخطر تآمرا
على القضية الفلسطينية من أي تطبيع آخر، والذي شتت الوحدة الوطنية الفلسطينية الداخلية
وقسم شارعها السياسي ، فهل ينتظر ناكري الجميل - من المكونات السياسية والإيديولوجية
والثقافية بالداخل والخارج ، الذين وضعتهم هذه القضية على المحك- أن يكون المغرب فلسطينيا
أكثر من الفلسطينيين أنفسهم الذين وقعوا على اتفاق أوسلو للسلام ؟
الخلاصة أنه كلما
ارتقى عقل الإنسان كلما تراجعت انتماءاته الضيقة القبلية والعرقية والسياسية والإيديولوجية
والدينية ، وأصبح لا يصنف إلا بسلوكياته الراقية ومواقفه الإنسانية البعيدة عن الصراعيات
التقليدية التي شحنت بها التيارات السياسية والإيديولوجية والدينية عقول بسطاء المواطنين
، وغدت بخطاباتها ومشاريعها وأوهامها وجدانهم وهويتهم.