بقلم سعيد شبري
الثانية ظهرا، شمس
الشتاء المائلة تفتك بالرؤوس، تأخرت الحافلة عن موعدها المعتاد جمع من زبناء الطوبيس
ملتفين حول شجرة الكالبتوس الضخمة يلتمسون ظلها يبدو ان الشجرة ترابض هنا بآخر محطة
للحافلة رقم 40 من مدة بعيدة انها بقية باقة اشجار نجت من غزو الاسمنت .. في الجانب
الاخر من الشارع طفلة ببذلة مدرسية بيضاء يرافقها زميل لها تبدو من خلال مظهرها في
ربيعها الثاني عشر او اكثر بقليل.. لم انتبه للشاب الوسيم بجانبي الا عندما رد التحية
التي ارسلتها اليه التلميذة في الطرف الثاني للشارع بتلويحة من يدها اليمنى.. اعتبرت
رده دعوة للحضور عبرت الشارع بلهفة مد يده فارتمت عليها بكلتا يديها فلم تفلتها.. وعيناها
منغرزتان فيه تطلب اكثر من لمسة اليد واللقاء على حافة الشارع..
همست له بكلام كثير
وهو يقهقه ..لا يجيب .. مرافقها لا زال مسمرا في مكانه خاطبه تلميذ متوجه الى الاعدادية
,, يالاه الطوبيس,, لم يابه لكلامه و استمر في الانتظار .. قال له اخر ,, امزعوط اعممي..
وصلت الحافلة افلت
الوسيم يده ثم غاب وسط الزحمة .. اخذت التلميذة تتطلع الوجوه المتلاصقة وسط الحافلة
الى ان لمحته.. يبدو انها لم تكمل حديثها الذي بدأته لتوها في المحطة وربما كانت تؤجل
ما تنوي البوح به الى اخر اللقاء لتستفيد اكثر بلحظة انتظرتها منذ مدة.. خاطبته باشارات
لم يفهمها فقد ردد لعدة مرات بالاشارات الشفهية ايضاـ ماسمعت والو ـ اخرجت ورقة وقلما
من حقيبتها المدرسية رفعت ركبتها ووضعت عليها الورقة ثم اخذت تكتب بخط كبير وواضح..
وقبل ان تبتعد عنها الحافلة.. رفعت الورقة نحوه غير ابهة باحد .. كنحبك.. التفت يمنة
ويسرة رغم زحمة الطوبيس.. يبحث في وجوه الراكبين عن شيئ ما فلم يجد الا ابتسامات وهمهمات
ظن انها كلها تنهش في لحمه و انها تخص ما حدث للتو على المحطة .. علت وجهه حمرة غير
اعتيادية حتى كاد الدم يتطاير بين ثنايا خديه الملتهبتين تظاهر بتجاهل الطفلة التي
لازالت تحمل ورقتها البيضاء المؤشرة بحروف العشق.. مرافقها لازال ينتظر نهاية القصة..تظاهر
بالامبلاة وهو يرمق بتلصص غير بريء نظرات الناس من حوله و يعيد قرائة الورقة.. انطلقت
الحافلة ونظراتهما تقول اشياء كثيرة مفعمة باستيهامات قطعها اول منعطف.