بقلم عبد الحي الرايس
وقد كان هذا حَالَ البراعمِ في كل المدارس، فما أن كان يدْنُو
موْعدُ عيد العرش مُذكِّراً بأمجاد المقاومة والكفاح، مُناهَضَةً للاستعمار، وبِنَاءً
للاستقلال، حتى تتعدَّدَ وَرَشاتُ الفنون، صادحة بالأشعار، راسمة بالألوان، مُترنِّمَة
بالألحان، مُشنِّفة للأسماع، فتتفجَّرُ طاقاتُ الإبداع، ويَسُودُ التنافس بين المؤسساتِ
وفي الأقسام، تُرجِّعُ صداهُ المدائنُ والأحياء، تتناقلُه وسائلُ الإعلام، وتُشَدُّ
الأنظارُ إلى مواعيد التقديم والاحتفال.
تغيَّر الموعد، فخبا صوتُ الفنون، وتراجَعَ الاهتمامُ، وانطفأ
الحضور.
وفجأة، وفي ذكرى المسيرةِ الْمَلْحَمَة، تُطِلُّ جهةٌ تتوسَّطُ
البلاد، بعطاءاتٍ تفوقُ الخيال، ومواهبَ تنِدُّ عن الحصر والتَّعْداد، مُتحدِّيَةً
انتشارَ الوباء، مُؤكِّدةً أن الاهتمامَ متى حضَر، والانشغالَ بالفنون متى انْطلَق،
أوْمضتِ المواهب، وصار لها تدفقٌ وعطاء، وإبْداعٌ وإشراق.
حلت الذكرى الخامسة والأربعون، واقترنت بتقديم حصيلةِ عملٍ
دؤوب، لأكاديميةٍ* راهنتْ على مركزٍ للفنون، فأيْنَعَ وأثْمَر، وبخيْرِ العطاءاتِ أتْحفَ
وبَشَّر.
ويبدُو أنه آن الأوانُ لتعميم المبادرة على مُختلِف الجهات،
وإمدادِها بالأطر والمُعدَّات، فبالفنون تسمو الأرواح، وتتهذب النفوس، وتتألقُ الأوطان.
ناشئةُ الْبَلَد، مَعْقِدُ الأمَل، فَلْيُمْنَحُوا فرْصَتَهم،
ولْتتعدَّدْ أمامَهُم سُبُلُ النَّهْل من حِياض المَعْرفة، واسْتِكْناه أسرار التقنية،
والانفتاح على كل الفنون المُلهِمَة، ولْيَخْتَرْ كلٌّ سبيلَهُ الذي تقودُهُ إليه فِطْرتُه،
وتُسْعِفُهُ فيه عزيمتُه وهِمَّته، ولْتظلَّ المدرسةُ مَشْتَلَ الأشْبال، حاضِنَة خيْرِ
الأجْيال.
* ( من وحي حفل متميز نظمته أكاديمية جهة فاس مكناس إحياء
لذكرى المسيرة الخضراء).