بقلم عبد الحي
الرايس
تَكرَّرَ الحديثُ
عن زراعةٍ حضريةٍ تُنتجُ الغِلال، تُلبِّي حاجياتِ السكان، بَشَّرتْ بها تجاربُ وارِدَة،
وأعلنتْ عنها مُذكِّرَةٌ وزاريةٌ صَادِرَة، وطموحاتٌ جامعيةٌ رائدة، وهَبَّ مُجتمعٌ
مدنيٌّ يُعلِنُ عن إرادةِ نقل التوجُّهِ إلى المَيْدان، وترجمةِ الرُّؤَى إلى أعْمال.
استجابتْ فئةٌ
من السكان، أكدتْ استعدادَها للانخراط في تعبئةٍ جادةٍ مُنتجة، فكانت الانطلاقةُ الْمُثمِرَة:
عَمَدُوا إلى بُقعةٍ
بالحي كانت مُهمَلة، وصمَّمُوا على أن يخوضوا بها التجربة، أجْرَوْا الاتصالَ بالجمعية
والجماعة والجامعة، فحظُوا من كل منها بكامل الدعم والاستجابة، ثم باشرُوا التخطيط
والتدرُّجَ في التنفيذ.
قسموا البُقعةَ
إلى مُربَّعات، وأحدثوا بينها مَمَرَّات، وشرَعُوا في العمل.
كانت الأرضُ صلبةً
فألاَنُوهَا، وكانت بها حِجارةٌ فأزالُوها، واحْتاجتْ إلى تخْصيبٍ بتُربةٍ فجلبُوها.
ثم كان بَذْرُ
البذور، لِطماطمَ وفلافلَ وبُقُول، ولِبَاقي الغلال، لِكُلٍّ منها مُربَّعٌ مَعْلُوم.
صار التطوُّعُ
سِمَة، والتعهُّدُ بالرَّيِّ والصيانةِ دأباً ودَيْدنا، وأغَلَّت الأرضُ، جادتْ بِخيْراتِها
ولم تبْخلْ، وصار الحلم حقيقة، والأماني وقائعَ ملموسة.
وسَرَتْ عَدْوَى
الخيْر بين الأحياء، فإذا الكل في سباق، يستنير ويستلهم تجربة إنتاج الغِلال.
وتداعتْ لخاطر
الجميع ذكرياتُ الأمسِ غيرِ البعيد، لِسُطُوحٍ بها سَوْسَنٌ وياسَمين، وأعشابٌ طبية
تتضوَّعُ بكل أريج، فأقبلوا مُتحمِّسين، يُعْنَوْنَ بالسطوح والشرفات، يَجْلبُون لها
الأصص، ويستنبتون بها البذورَ والشتلات.
تتبَّعَ الصغارُ
عملَ الكبار، فتشربُوا عنهم الْوَلَعَ بالنبْتة، وأقبلوا على تتبع نُموِّها مُلاحظين،
والعناية بها مُتعهِّدين.
عَقدتِ الأحياءُ
عَزْمَها، فإذا المدينة غيرُ المدينة، تُنتِجُ غِلالَها، وتزهو بفضاءاتها، وإذا بالخُضرة
تَعُمُّ أرْجاءَها، والرياحينُ تنْشرُ أشذاءَها.
إنْ هي إلا إرَاداتٌ
تتحرَّر، وعزائمُ تتأكَّد، ومُبادراتٌ تنطلقُ جادَّة وتتعدَّد.