بقلم عبد الحي الرايس
"لا للملايين،
ومِنْ حَوْلي كثيرون يشتكون الفاقة، وتشتَدُّ حاجتُهم لِلْمَلاليم"، فأخْرَسَ ألسنة الْمُتقوِّلين،
وأعطى المثالَ لِمَنْ هُمْ للمواقع مُلتمِسُون، وعلى الرِّيع مُتهافتُون، ولِتعدُّدِ
الأجور مُسْتخلِصُون، وبآلام الشعب لا يشعُرون.
قال فنانُ الشعْبِ كلمتَه، وقدَّم الدرسَ" لمن
كان له قلبٌ أو ألقى السمْعً وهو شهيد"
وبدا واضحاً ألاَّ
شِبَعَ بعدَ اليومِ والناسُ جِيَاع، وأنَّ أُولَى الأوْلويات الزُّهْدُ في الكماليات،
والتكافُلُ مع ذوي الحاجات، وما أكثرَهُمْ في هوامش المُدن، وفي الصحارَى والجبال،
والقرى النائيات.
ولوْ حَدَا حَدْوَ
الفنانين الزاهدين كلُّ مُنتخبٍ ووزير، وصاحبُ أجْرٍ عالٍ ودَخْلٍ وفير، لعرفنا معنى
التلاحُمِ والإيثار، وجسَّدْنا قِيَمَ التكافُلِ ونُكرانِ الذات.
أخْطأ الوزير،
وفي خطئه كان الربْحُ الكبير، فقد أتاح الفرصة للإعلان عن صَحْوةِ ضمير، وللمُمايزة
بين المُسْتطيبِ للمكاسب، والزاهدِ الأصيل، ونبَّهَ إلى ضرورة تقاسُم الرغيف، وجدْوَى
التعجيلِ بتعميم التغطيةِ الاجتماعيةِ على الجميع.
حَلَّتِ الجائحةُ
بيْننا، فاعتلَّت الأبْدان، وتعافَتِ الأجْواء، فهل لها أن تكونَ باعثاً على مَسْح
الطاولة، وتجاوُز كثير من الاختياراتِ والممارساتِ الخاطئة، فنصْحُوَ على مُجتمع مُتلاحم
يَهُبُّ للبناء، والانخراطِ في مسيرة النماء، وينتصرُ للحق والعدل دون الْتِوَاء.
لقد قضَّتْ مَضاجِعَنا
التفاوُتاتُ الطبقية الصارخة، والقراراتُ الفوقيةُ المُفاجئة، والتنزيلاتُ المُرْتجَلةُ
الجائرَة، ويبْدُو أنه آن الأوان لِنَكُفَّ عن التبعية والتجريب والتَّيَهَان، لنَؤُوبَ
إلى الذاتِ الوطنية، ونلتزمَ باحترام الْهُويَّة، ونؤكدَ التحامَ القمةِ مع القاعدة
لتحقيق العدالةِ الاجتماعية، وطيِّ المسافاتِ نحو ارْتقاءِ مَدَارِجِ التنمية.