بقلم الأستاذ حميد
طولست
تتبعت قبل أيام
المداخلة الهاتفية التي أجرتها "مومنى" -ملكة جمال المغرب- مع الإعلامي المتميز
"وائل الإبرشي والتي أديعت عبر برنامج "التاسعة" الذي تبثه قناة الأولى
المصرية ، والذي اعتذرت من خلاله للسيدات المصريات الفضلاوات ، اللواتي سبق أن تطاولت
عليهن بلسان حاد أصاب نفوسهن بالأذى
بذنب لا يد لهن
فيه .
لم يكن إستحسان
الكثير من المصريين وأشقائهم المغاربة للمبادرة الإعتذارية ، وحمدهم لشجاعتها الأدبية
، بغض النظر عن دوافعها ، ليشفع "لملكة الجمال" تصحرها الحضاري والأخلاقي
وانصرام رصيدها من "تمغربيت" الأصيلة ، الذي كان وراء ما تسبب فيه للقلوب
المرهفة والمشاعر الرقيقة الحساسة للكثير من المغاربة ، من عميق الإساءة وعظم الآلام
، بإستعمالها لغة هجينة للتعبير عن اعتذارها، والتي لم تكن بالعربية الفصحى القادرة
بكل قيدرة معانيها ومفرداتها وألفاظها على تصوير مشاهد الطبيعة وتمثل خطرات النفوس
، كما لم تكن بالدارجة المغربية الأصيلة المتميزة بثرائها المعجمي، ودقة قدرتها على
وصف المواقف والأشياء ، ولم تكن بالهجة المصرية الأكثر انتشارا في معظم البلدان الناطقة
باللعربية لخفتها على النفس والأذن ، ولا باللهجة الخليجية البدوية بلكنة ونطقها المميز،
وكانت مجرد لغو بدوي متخلف ، حددت به السيدة مومنى ،دون أن تدري ، بناءها الذهني والفكري
ومستواها المعرفي والاجتماعي ، وفضحت به ، عن غير قصد ، مصداقية نواياها وصدقية مقاصدها
، الذي زاغ بها عن الهدف المنشود ، وانحرف عن المراد المقصود ، وألزمها إعتذارا آخر
لمغربيتها ، قبل الإعتذار للمغاربة ، الذين تخلت عن لهجتهم الوطنية التي يعتزون بها
كأهم مقوم من مقومات حياتهم الإجتماعية، والتي ليست مجرد أداة تواصل محايدة ، بقدر
ما هي آلية أساسية في تشكل الحيز الكبير من بنيتهم الذهنية والفكرية وجزء عظيم من موروثهم
الثقافي والاجتماعي والعقدي والتاريخي والأيدلوجي ، والذي يترتب عليه اختلافهم وتميزهم
عن غيرهم من المجتمعات، في طريقة عيشهم ، وأسلوب تفكيرهم وتعبيرهم عن تصوراتهم ومشاعرهم
ومقاصدهم ، والذي كان على السيدة مومنى احترامه ، كما تفرض ذلك قوانين وشرف تبوئ عرش
مملكة الجمال ، محلية كانت ، أو عالمية ، أو حتى كونية ،الاحترام الذي تتلزمه بأعرافه
وقوانينه وشروطه الراغبات في الحصول على درجته ملكة الجمال ، التي لا يشكل التركيز فيها على مظهر المتنافسات،
إلا بنسبة قليلة مقابل تركيزها على لين الطباع
، وسماحة النفوس ، ونُبل الخصال، و كرم الخِلال ، ورطوبة اللِسان ، إلى جانب رجاحة
العقل الذي يجب أن يكون فيهن شعاع مِن نور الحق، و مَدَد مِن الوُد ورَافد من المُسالمة
، والذي لا يصدر عن صاحباته إلاَّ الخير والبركة
، ولا يُتوقَّع منهن إلاَّ الفضل واليُمن والبِر ، و يُرتقَب في ظِلِّهن الأمن الأمان،
فلا يأتين إلا بما يُحقِّق الصالح العام ،
السلوك الذي لم
يُلتمس في تصرف السيدة مومنى التي لم تستطع –مع الأسف - أن تتمثل دور ملكات الجمال في نشر السلام والود
والوءام، بقلب مُفعم بالمحبة للذات والناس جميعهم ، فلم تعط أكثر مما لديها، وكما يقال : إن أجمل فتاة في العالم لن تعطي إلا
ما لديها".
وأختم قولي هذا
الذي لم إرد به إساءة ، بالمقولة الشهيرة للفيلسون أفلاطون: "إذا كان الجمال يجذب
العيون ، فالأخلاق تملك القلوب" ورب وجه جميل يخفى قلبا شريرا !