هي تَرْشُدُ وتَضِل،
تَحْضُرُ وتَغِيب والوقائعُ تكشِفُ المسْتور، وتُخْرِجُ المسْكُوتَ عنه إلى
المُعْلَنِ المعْلُوم.
الإنسانية تَرْشُدُ
وتَحضُرُ بقوة، حين يَخُصُّ الأمْرُ وباءً يجْتاحُ العالم، يُسَوِّي بين الأثرياء والفقراء،
بين النافذين والبُسطاء، لا يَمِيزُ هذا من ذاك، يتسلَّلُ إلى الأبْراج، ويَعْصِفُ
بمئات الأرْواح، حينها تُنزَّلُ القوانينُ، وتُرْصَدُ الأموال، بسخاءٍ وبغير حساب،
وقايةً ودَعْماً للعلاج، وبَحْثاً عن اللقاح، ويتم إيواءُ العراة، وإطعامُ الجياع،
وتجفيفُ منابع الداءِ وبُؤر الانتشار، لا بواجب التواجُدِ والإشفاق، ولكن بدافع الخوْفِ
وحمايةِ الذات.
وهي تضِلُّ وتغيب،
حين يَضْمُرُ الملايينُ من الْجُوع، يَجِفُّ عُودُهُم ويمُوتون في إهمالٍ وسُكون، دون أن يكونوا قد ألحقوا أذى بالآخرين، وحين يُهَجَّرُ
ضحايا الحروب، ويتيهون في الأرض لاجئين، من غير أن يكونوا مُذنبينَ ولا آثمين.
ساعتَها تسْتمرئُ
الإنسانيةُ الدَّعِيَّةُ الْبِطْنَةَ والتـُّخمة، وتنْشطُ في تَعْدادِ مَصادر الثروة،
وفي إنتاج السلاح، وإذكاءِ الحروب، وتنشيط العدوان، ولا بأس مع ذلك من تدبيج الخطابات،
وعقدِ المؤتمرات وإصدار التوصيات، وتخصيص أيام عالمية لمكافحة الفقر، ومُحاربة الجوع،
والدعوةِ لإحلال السلام.
أيُّ عبثٍ هذا
الذي يحياه الإنسان! وأيّ تناقض هذا الذي يُكرِّسُهُ ويُمارسُه!
فمتى تصحُو الضمائر؟
ويكونُ للإنسان من نفْسِه عليه رادِع؟
ولعل من لطف الله
بالإنسانية والناس أن جعل تيارَ الخير والإيثار عندهم يُغالِبُ تيار الأثرة والفساد،
مصداقاً لقوله تعالى: " ولولا دفعُ الله الناسَ بعضَهم ببعضٍ لفسدتِ الأرض، ولكنَّ
الله ذو فضل على العالمين"