بقلم الأستاذ عبدالغني
فرحتي
استعدادا للاستحقاقات
الانتخابية المقبلة، تجري منذ شهور اجتماعات ومشاورات بين السلطات العمومية، خاصة وزارة
الداخلية، وبين الهيئات السياسية والنقابية وغيرها. وحسب ما يتداول، فإن هذه اللقاءات
تتركز على الجوانب التقنية ( العتبة/ يوم الاقتراع/ البطاقة التي تتيح المشاركة في
هذه العملية...)، إلا أنه أصبح من الضروري أن يتركز النقاش والتشاور على جوانب أخرى
أكثر عمقا وفائدة وتحفيزا، خاصة والمتتبعين يتوقعون استمرار التراجع في نسبة المشاركين
في الاستحقاقات الانتخابية والتزايد المتواصل في أعداد العازفين.
بمعنى هناك نفور
متزايد من العملية الانتخابية يعود إلى عوامل عدة، يتداخل فيها الموضوعي بالذاتي. لقد
كانت لفبركة أحزاب جديدة ولعملية البلوكاج السريالية الطويلة التي تلت الانتخابات التشريعية
الماضية والأسلوب الغريب الذي أنتخب به رئيس مجلس النواب وغير ذلك، من أسباب تعميق
هذا النفور. لقد بدا الأمر وكان هناك استخفاف كبير بإرادة الناخبين وبما فرضته صناديق
الاقتراع وأن هندسة السلطة التنفيذية تتحكم فيها عوامل خفية تمس مصداقية الممارسة الديموقراطية
في العمق. لذلك، يبقى من الضروري أن يعاد النظر في مثل هذه الأساليب البائدة والتجاوب
النزيه مع ما تأتي بها صناديق الاقتراع.
إلى جانب ذلك،
هناك عوامل ترتبط بالأحزاب السياسية ذاتها. فهناك أولا تعددية مصطنعة وعبثية ليس لها
أية فائدة سوى تمييع وإفساد الاستحقاقات الانتخابية والكشف عن السعار وراء الانقضاض
على نصيب من الريع والدعم العمومي. وهناك أحزاب لا يتعدى منخرطوها عدد زبناء مقهى واحد،
ومع ذلك، تمنح " لزعمائها المحنكين" الفرصة للظهور واحتلال مساحة زمنية من
البث الإذاعي والتلفزي لاجترار خطابات مكرورة أمست تشكو من الصدأ.
وهناك ثالثا، أحزاب
توصف بالأحزاب الإدارية، والتي رغم أنها عمرت أكثر من أربعة عقود، لا زالت لم تبلغ
الرشد السياسي والنجاعة التنظيمية، وصارت لا تعدو كونها دكاكين، لا تفتح إلا مع اقتراب
المواعيد الانتخابية .
وهناك الأحزاب
الوطنية سليلة الحركة الوطنية. وهي أحزاب أخذت تظهر عليها علامات الإنهاك والتعب والهروب
المتواصل والمقلق للنخب منها. وليس من سبب لذلك سوى غياب الديموقراطية الداخلية فيها
والتهافت على المناصب وطغيان المحسوبية وغيرها.
وهناك أخيرا، الهيئات السياسية ذات المرجعية الإسلامية
والتي لا بد أن تقيم تجربتها في التسيير والمشاركة في تدبير الشأن العام. فبغض النظر
عما يمكن أن يقال بهذا الخصوص، إلا أن القيام بهذا المهام أثبت أنه وحتى لو افترضنا
التمتع بمستوى معين من الطهرية، إلا أن الافتقار إلى الخبرة اللازمة لا بد وأن يشكل
عنصرا مضعفا لكل عطاء أو إنجاز.
وإذا كانت السلطات
العمومية تستهدف بالفعل إعادة ثقة المواطن في العمليات الانتخابية وتحفيزه على المشاركة
فيها، فإنه يبقى من الضروري، المبادرة إلى تصحيح العديد من الاختلالات التي تشوب هذه
الاستحقاقات والسهر على الاحترام الكامل للإرادة الشعبية.
أما الأحزاب السياسية،
فلا يمكن إنكار دورها الأساسي في التعبير عن الإرادة الشعبية والمساهمة في المجهود
التنموي وتثبيت الديموقراطية. غير أن الوضعية السيئة التي تعيشها يجعلها بعيدة كل البعد
عن تحقيق مثل هذه الأهداف. فهي تشكو من غياب قادة وزعماء ذوي التكوين المناسب والذين
يتمتعون بالمصداقية وبكاريزما تؤهلهم للقيادة وحسن التواصل مع أطر ومناضلي الحزب فضلا
عن القدرة على التواصل مع عموم الناس.
ينبغي الاعتراف
أن قادة كثر فقدوا كل مصداقية وأن تمسكهم بالزعامة يهدد أحزابهم بالإفلاس الكامل. إضافة
إلى أن العديد من " أرانب السباق " الذين كانوا يضمنون، على الصعيد المحلي،
لبعض الزعماء الفوز في الاستحقاقات الانتخابية، إما " قضوا نحبهم " وإما
صاروا أوراقا محروقة فاقدة لكل مصداقية، لا يمكن أبدا التعويل عليها. إذا أضفنا الفراغ
المهول الذي صارت تشكو منه الهيئات السياسية من الأطر والنخب، كل ذلك، يفرض عليها المبادرة
إلى تخاذ ما يلزم من التدابير من أجل إعادة تأهيل نفسها حتى ولو اقتضى الأمر تعليق
الاستحقاقات الانتخابية لفترة زمنية معينة.
ففي كل الحالات،
سيكون ذلك أفضل، من البحث عن مترشحين لا صلة تنظيمية لهم بهذه الأحزاب السياسية، فاقدين
لكل تكوين ولكل تجربة وصباغتهم بلون سياسي معين، جريا وراء ضمان استمرار الحضور وتوزيع
غنيمة الدعم العمومي، في مشهد يشبه الحالة التي كنا فيها نطلب من شخص أن يكون حارسا
في مباراة في كرة القدم بالدرب، وحين يقول بأنه لا يتقن حراسة المرمى، نرد عليه بالقول:
" لا تقلق، عليك فقط أن تقف هناك، إن صدمتك الكرة فهذا جيد وإن سجلت، فلا بأس.
أنت في كل الأحوال، لن تتحمل أية مسؤولية في ما سيكون من حصيلة. ألن يكون مثل هذا المشهد
منتهى العبث؟.