بقلم عبدالحي الرايس
أَيِّ لغة: تطاولٌ
عليها، واستعمالُها كيفما اتفق، مِمَّا يُؤْذِي الذوْقَ والسَّمْع والْبَصَر.
فلِكُلِّ لُغَةٍ
ضوابطـُها التي يتعيَّنُ استيعابُها واحترامُها عند التعبير بها وتداولها.
ولتقريبِ المعنى
نُقابلُ بين عبارةٍ نُوردها مرة في العربية المعيارية، وأخرى في الدارجة العامية تتحدث
عن مجيء الضيوف.
إذِ الأصلُ في
العامية أن تقول: (جَاوْ الضياف)، فلِلْفعل فيها فاعلان، ولو قلتَ(جا الضياف) لاعْتـُبِرَ
كَلامُكَ لحناً خارجَ السياق.
والأصلُ في العربية
أن يكون للفعل فاعلٌ واحد "جاءَ الضيوف" ولو قلتَ (جاءوا الضيوف) لقيل لك
بِلِسان القُدامَى: هذه لغة (أكلوني البراغيث) وبلسان العصر: هذه لغة (ظلموني الناس)،
والصواب: "أكلتني البراغيث"و"ظلمني الناس".
ومناسبةُ هذا الحديث
أن ثمة من صار يسْتعملُ العربية، ويَزْعُمُ أنه يَنْظِمُ بها شِعْراً له قافيةٌ يَتمَحَّلُ
في شكْلِها، فينصِبُ الفاعل مكانَ الرفع، ويَرْفعُ المفعولَ مكان النصب ، ويُخضِعُ
الرَّوِيَّ لحركةٍ واحدةٍ مُوحَّدةٍ أياً كان المَوْقعُ في الجملة، ويَمْضِي مُنْدفِعاً
مُسْترسِلاً مُوهِماً نفسَه أنه يَاتي بمُعْجزة، وعند الإلقاءِ تحسَبهُ شاعراً، وأدَاؤهُ
يفضحُهُ، ويَسِمُهُ بالْمُتشَاعِر.
وقِسْ على ذلك
مَنْ يتسرَّعُ ـ عند التواصل عبْر الهاتفِ النقالِ ـ بالإرْسال دون مراجعةٍ ولا تثبـُّت، فينسُبُ لنفسه
من الأخطاء، ما هو خارجٌ عن سليقتِهِ وإرادته.
وكذلك مَنْ يدْأبُ
على كتابةِ اللغةِ بِحُرُوفٍ غيْرِ حُروفها، فيُسِيءُ إليها، ويَبْتذلُ طريقة أدائهِ
وتعبيرِهِ بها.
ورَحِمَ اللهُ
امْرَءاً إذا اختارَ اسْتعمالَ لُغَةٍ سعى إلى اسْتكناهِ أسْرارِها، والإلمام بضوابطها،
والتمرُّسِ بها، فاستمتع بالتعبير، وأمْتعَ مُتَلقِّـي الخطاب، والْمُصْغِي إلى الحديث.