بقلم الأستاذ حميد طولست
كثيرا ما نسمع
عبارات :"الموت ديال الضحك" و"قتلنا بالضحك" و" نكتة كتقتل
بالضحك " وغيرها من العبارات التي جرت قديما على ألسنة عامة الناس ، ولاتزال مطروقة
ومتداولة بين المغاربة إلى اليوم للتعبير مجازاً عن حالة السعادة والسرور القصوى التي
قد تجتاح المرء من موقف طريف ، أو شخص ظريف ، أو نكثة مسلية تدفع لاستعمال العبارات
السبقة ، فهل حقا الضحك يقتل الانسان ؟ نعم وبكل تأكيد قد يموت البعض من شدة الضحك
، ولذلك نسمع المغاربة يرددون بعد كل مسرّة أو فرح أو ضحك الدعاء الأزلي :" الله
يخرج هاذ الضحك على خير" ويأملون أن لا تتحول عبارة "الموت من الضحك"
،من معناها المجازي إلى حقيقة وواقع مرير ،
كما حدث سنة 1976 في غينيا الجديدة ، حيث توفي الآلاف من أفراد قبيلة «فور»
بعد ان أصيبوا بنوبات مفاجئة من الضحك الهستيري ، التي سماها الطبيب الأميركي كارلتون
جايدوشك مرض "الضحك المميت".
وكما يحكى أن الألمان
وقبلهم الرومان ، كانوا يستملون الضحك ، كسلاح للتعذيب ووسيلة للإعدام ، لكونه ضحك
عصبي غير إرادي ولا عقلاني يُفقد الإنسان تحكمه
في اعصابه ، ويؤثر على قدرته على التنفس بشكل طبيعي يتوقف معها وصول الأكسجين إلى المخ
والقلب ومن تم يختنق ويموت ، لذلك نجد أن الكثير ممن لا يحتملون الدغدغة ، يواجهون
ما تثيره فيهم من خوف وألم شديدين ، بنوبات ضحك وقهقهة لاارادية وغير متحكم فيها، مصحوبة
بردات أفعال أوتوماتيكية غريبة وعنيفة تصل في الكثير من الأحيان إلى الشتم والسباب
والعراك والمضاربة ، والتي لازلت أذكر أني كنت ورفاق الطفولة ، نحسب أن مبعثها لدى
بعض ذوي الحساسية المفرطة من الدغدغة ، الذين عرفهم في حينا فاس الجديد ، هو الاستمتاع
وليس الضغط والتوثر والقلق والانزعاج ،الذي
تتسبب لهم فيها المداعبة الغير الآمنة العواقب والتي قد تؤدي ببعضهم إلى الهلاك ، الذي
دفع العلماء الباحثون في صحة الأطفال النفسية والجسدية ، إلى تحذير الآباء والامهات
من تعريض أطفالهم لدغدغة الأماكن الحساسة الموصولة بعصب أجسامهم ، كمنطقة أسفل الأبط
وأسفل القدمين، التي يظنون أن مداعبتها ترفه عليهم وتسعدهم ، بينما هي تعرضهم للموت
جراء الدغدغة الزائدة عن الحد المعقول الذي لا يستطيع معها الطفل مواجهة مضاعفاتها
الخطرة إلا بالضحك ، الذي يشجع الآباء على مضاعفة الملاعبة والدغدغة ، فيقعون في حلقة
مفرغة حبلى بمخاطر الموت المفاجئ والمتربص .
ومع كل هذا وذاك
، فليس الضحك كله أضرار وقتل ، بل له فوائد متعددة ، تجعل منه ضرورة كبيرة في الحياة ، حيث أنه إلى
جانب مساعدة الناس على التخلص من القلق والتوتر ، وتقليل شعورهم بالأرق والملل والرتابه والكآبه والاكتئاب
، بفضل ما يفرزه من هرمون "الإندروفين"Endorphine
الذي يعطي مفعول "المورفين" الذي يساهم في رفع نسبة Adrenaline و Noradrenaline المضادين للإلتهابات والمخففين من آلام "الروماتيزم"
، فإنه –الضحك- يعزز النوم العميق ، ويحمي من بعض أمراض القلب والشرايين، ويعيدة تنشيط
جهازهم التنفسي ويرخي الجهاز العصبي والقصبات الهوائية ، وينشط الأمعاء ، ويخفف الإمساك
ويرخي الألياف الناعمة ، ويطرد الكوليسترول من الجسم ، ويحد من تثبيط عمل جهاز المناعة
، وغير ذلك كثير من الفوائد التي تجعل الخبراء والعلماء ينصحون الناس به ، كما فعل
الرسول صلى الله عليه وسلم قبل 14 قرنا حين قال: "روحوا عن انفسكم ساعه بعد ساعه
فان القلوب اذا كلت عميت"، أو كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
: "إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا
أدبرت كلّت وملّت".
فكم نحن في حاجة
ماسة إلى الضحك ، ليس لأنه يؤدي إلى التخفيف من التوتر والضيق النفسي فحسب، بل لتعزيزه
الجهاز المناعي بالجسم ، وتدعيم مقدرته على التصدي بشكل كبير ، لكورونا الذي عم البلاد
وشمل العباد ، والذي نطلب من الله عز وجل أن يكشف عنا جائحته ، ويعافي من أصابه وباؤها
، ويحفظ من سلم من بلائها ، إنه على كل شيء قدير، لكن إلى "بقيتي في دارك باش تحمي نفسك وجارك"..