adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/09/16 - 8:45 م


 بقلم الأستاذ حميد طولست

ما كنت في يوم من الأيام أتخيل أن تصل أحوال بلادي إلى هذا الحد من المأساوية الغير المسبوقة ، ويغمر واقعها كل هذا الكم الهائل من الهم الذي لا يشرح الصدور ، والغم الذي لا يسر النفوس ، والنكد الذي لا يفرح القلوب ، والذي أصبحنا ننام ونصحو عليه ،  من خلال ما تمطرنا به وسائل الإعلام من أخبار أحداث السلب والنهب والسطو والعدوانية الصارخة بمختلف أشكال العنف اللفظي والجسدي المؤذية للعين والنفس، والمستدعية لأقوى مشاعر الاشمئزاز ، والمتستنفرة لأقصى عواطف المقت ، والمؤججة لأشد أحاسيس الكراهية ، التي تنشرها في جميع أرجاء البلاد بشكل مريب ، يُفقد الناس الثقة والأمل في العودة لدولة الحق والقانون ، ويرسخ لديهم الإيمان بأنهم باتوا يعيشون في غابةٍ البقاء فيها للأقوى وليس للأصلح ؛ الإيمان الذي ليس بذاك القدر من البساطة والبراءة التي يبدو عليها ظاهره، الذي يستبطن جوهره خطرا تلاحق زخم الرذائل الاخلاقية والاجتماعية والسياسية في أزمنة متقاربة ، وتكرار حدوثها في الفضاءات العمومية المتداخلة ، الذي يجعل الفوضى والضياع الجارف بالشوارع ، والمدارس والجامعات ، والمساجد وداخل الأسر ، والمواصلات العامة ، وكأنه أمر طبيعي وعادي ومُمَأسس ، وأنه السبيل الوحيد والأمثل للحفاظ على ما تبقى من الإنسان المغربي ، الذي لم يعد كما كان ، شهما ، طيب النّفس ، سمح الطبع ، لين السلوك ، هينا هادئا راضيا مُسلِّما مُسالِما ، مسيطرا على لسانه ويده ، حتي في أسوأ الظروفك وأحلكها؛

الأمر الذي مافتئ يشكل لدى ذوي العقول الفاعلة المتفاعلة مصدرا للقلق المحير ، ويضخم لديهم الأسئلة الحائرة كـ: هل كل هذه الفتن الفضيعة وجميع تلك القلاقل المشحونة بالعدوانية الطافحة بالرداءة والضحالة والسفالة والنذالة المؤذية للعين والنفس،  هي مجرد صدفة ؟!،أم قضاء وقدر ؟ أم هي ثمرة تخلي المفكرين والعلماء والمثقفين والمبدعين ورجال الدين عن دورهم المحوري في معركة الدفاع عن الأمة وحضارتها ، وتقاعصهم في اداء رسائلهم النبيلة في تغيير واقع الناس والرقي بفكرهم وثقافتهم ، وإندحارهم في عزلتهم وتصوراتهم اللاواقعية التي جعلت المجتمع يعيش كل هذا الاهتراء الثقافي والأخلاقي المشمول بالقبح والتشوه والبشاعة والنشاز المفككة لأوصال المجتمع ، والمبوءة لمقاعد التخلف المتقدمة بين الأمم.؟

أم هي نتيجة لغياب دور المنتخبين والمسؤولين الحكوميين والساسيين والمؤسسات الحزبية والنقابية عن حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وتحولهم إلى صور وقوالب متلونة تركن للسياسات الفاقدة للقيم والمواقف والمبادئ الأخلاقية والوطنية ، وترنوا للافتعال والخداع والبحث عن المصلحة الخاصة التي لا تنأى بالمواطن عن الفوضى والصراعات  والنزاعات ، التي تقوده للعنف والفساد، المؤدي للهلاك والضياع والدمار؟ أم هي نتاج تخطيط مسبق ومؤامرات خبيثة لقوى عدوة تتربص الدوائر بهذا البلد الحبيب ، لثنيه عن تبوأ المكانة المؤهل لها بين البلدان المدنية المتحضرة ، وإفقاد مواطنيه الآمنين السلم والسلام ، وسلبهم نعمة الأمن والأمان ، من اجل مصالح ونفوذ وسيطرة سياسوية مصبوغة بالدين والتدين؟

ولهذا وذاك، أعتقد جازما أنه مهما كانت وكيفما كانت الإجابة عن تلك الأسئلة ، فإن الخروج من نفق الإفلاس الأخلاقي التصحر الحضاري الذي غرق المجتمع في مستنقعه ، ليحتم على كل الشركاء في هذا الوطن ، وعلى رأسهم المسؤولين على شؤونه ، -إذا هم أردوا تخطي مخاطر هذا التخلف والأخلاقي الاجتماعي والسياسي الذي تجاوز كل الحدود - أن يغلّبوا المصلحة الوطنية العامة على ما عداها من المصالح الخاصة ويضعوا -الآن وقبل فوات الأوان- كلّ ثقلهم لردع عملية التجهيل الممنهجة ، المغلف بالوعض والارشاد ، التي بدأت تنخر المجتمع من داخله ، والحيلولة دون انتشاره - كما فٌعل مع كورونا- وذلك عن طريق الإهتمام بعقول أبناء الوطن، وتعزيز قدراتهم ونشاطاتهم اللازمة لبناء مجتمع متصالح مع وضعه وبيئته ومعطيات عصره ، الإهتمام الذي لن يتأتى إلا في ظل ثورة تنويرية قادرة على إنقاذ الشباب من طوفان هوجة أيديولوجيات الإسلام السياسي التي تعطب العقول وتحد من فاعليتها وتفاعلها حتى تتمكن من السيطرة عليها ، لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه بالسلاح ، من الغايات المتعارضة مع مصالح الوطن وأغلبية أهله ، والمتسببة في تسلسل الكوارث وتعاقب المآسي ، التي  بات أقصى أملنا أن نحافظ معهالا على درجة تردينا ثابتة عوض أن نتقهقر في قيعان التردي أكثر وأكثر ، فواقعنا ليست في حاجة لقياس مدى انتشار التدين ، بقدر ما هو في مسيس الحاجة لنوعية التدين ومدى تأثيره في تغيير سلوكيات أفراد المجتمع نحو المدنية والحضارة والإنسانية.