بقلم عبد الحي
الرايس
احْتُفِظَ لها
بصُورةٍ قبْليةٍ تعكسُ جدراناً كالحة، وسطوحاً خالية، وشُرُفاتٍ للزوائدٍ عارضة.
حَلًّ بها الوباءُ،
فأوَى الناسُ إلى بيوتهم، وتسللوا إلى دُروبهم، فحَمَلٌوا الفرشاة والأصباغ، لوَّنُوا
الجُدران، ورَصَّعُوا الأزقةَ بالأزهار.
وافْتقدُوا الغذاء،
فهَبُّوا مُتناصحين يستحضرون الشتائل والبذور، ويملؤون الشرفاتِ والسطوح، بالخُضر والْبُقُول.
وتجَدَّدتِ الصورة،
فإذا المدينةُ تنْجلي عنها القتامة، ويكْسُوها الاخضرار، تُنتج غذاءها ويعمها السلام.
بين إهمالٍ واهتمام،
حضورُ وعي، واستنارةٌ، واستلهام.
في بلاد الغرب
أدركوا سِرَّ سلامةِ الغذاء، فتنادَوْا لزراعةٍ حضريَّةٍ يَسَّرُوا لها الأسْباب، وتنافسُوا
فيها وطوَّرُوا الإنتاج، ووجًدُوا مُتعتَهم في الغرسِ والتعهُّدٍ والْقِطاف.
وعَدْوَى الْخيْر
ينبغي أن تسْريَ بين الأمْصار، إذ يكفي أن تُبادرَ بنايةٌ لتحدُوَ حدْوَها بنايات،
وتنطلقَ التجربةُ في حَيٍّ لتنسجَ على منوالها أحياء، وتنجح المبادرة في مدينة لتعمَّ
في المدائن مُختلِفَ الأرجاء.
ودَوْرُ المنابتٍ
والمشاتل إرشادُ الراغبين المُستنيرين، وتقريبُ الشُّقة على الطالبين، وتوفيرُ البذور
والشتائل للقاصدين.
ومُتْعَةُ أهل
البيت في الاسْتنباتِ، ودُنُوِّ القِطاف، وفي نَقْل الْوَلَع للأبناء.
ومتى شَبُّوا على
ذلك، كانوا للطبيعةِ أقْرب، وعلى الْبِيئة أرْأف .
ويسألُ السائلُ
عن اسم المدينة التي تُنتجُ غِذاءَها في بلادنا، فيأتي الجوابُ بأنها في البَدْءِ افتراضية،
ولو أنها ليستْ مُتخيَّلة بنظرة طوباوية، ما دامت التجربةُ تحققتْ بنجاحٍ في بعض المدائن،
بل لقد كان للمدينة المغربية بها عهد وصلة، أيام كانت تتخللها عرصات وجنان تنتج حاجياتها
من الغلال، قبل أن يطغى عليها ويبتلعها البنيان،
لذا وجب التذكير ليحصل الاقتناعُ بالنفع والجدوى، حتى تنطلق المبادرة تِلْوَ الأخرى،
الْتماساً لِلصِّيغةِ الْمُثْلَى.