كان المجتمع المغربي
حتى وقت قريب كتاج مرصع بالقيم النبيلة، معدنه قناعة ورضا، نخوة وشرف، أحجاره العمل
الجاد واحترام الكلمة، بريقه حب الجمال والإيمان بالمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها
من الفضائل التي كانت تزيد أبناء المجتمع تماسكا وتراحما وثقة في الذات والآخر وتغذى
فيهم الإحساس بالطمأنينة والأمن والأمان، كان من الصعب أن تجد ثريا لا يساعد فقيرا،
أو كبيرا يستقوي على صغير، أو شيخا يتاجر بالدين، أو لصا يتحرك في وضح النهار، الكل
يعرف ما له وما عليه.
مجتمعنا المغربي
ابتدأ مشواره بشعارات الثورة على الفساد والخائنين، وتغيير القيم الفاسدة، فإذا به
ينتهي إلى مجتمع منتج للفساد متخل عن القيم، ولا يكاد أحد في مجتمعنا لا يشكو من ارتفاع
معدلات السرقة والقتل والرشوة وعقوق الوالدين وانحطاط لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة
وانحرافات السلوك والذوق العام، وغيرها من المظاهر الأخرى التي أسقطت الأخلاق في دوامة
الفوضى، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما هي أسباب هذا الانحطاط السلوكي والأخلاقي ؟
فهذا التدهور الأخلاقي لم ينتج من فراغ ، بل له أسباب متنوعة وأهمها :
أولا اتجاه سياسة
الدولة من التقييد إلى الانفتاح، ومن التدخل في شؤون الاقتصاد إلى الانفراج والحرية،
والاتجاه رأسا إلى الرأسمالية المتوحشة، ما نتج عنه عدم التوازن في القوى بين التمسك
بالقيم والتمسك بالمال، ولأن المادة باتت هي الغاية، فقد ظهر أغنياء امتلكوا أفخم المساكن والقصور، وركبوا
أفخم السيارات، ولبسوا أحدث صيحات الموضة رغم
أنهم كانوا إلى عهد قريب صعاليك لا يملكون من قطمير، ما حدا بالكثيرين لبلوغ الثروة
بأي طريقة ومن أي مصدر مشروع أو غير مشروع، حتى لو باع الضمير وتقاضى الرشوة وتاجر
في المخدرات والدين...وهكذا بات البحث عن المال أهم بكثير من الصبر على بناء الوطن.
ثانيا غياب دور
الأسرة، وانعدام التوجيه السليم والتربية الصحيحة، وانشغال الآباء بالكسب المادي من
أجل تلبية حاجات الأبناء، فدور الأسرة لا يقتصر على التوجيه والتنبيه والإشارة إلى
ما هو صحيح او خطأ، بل يجب أن تكون التربية مبنية على الحوار الهادئ الهادف بين كل
مكوناتها.
ثالثا دور المدرسة
الذي لا يجب أن يقتصِـر على تلقين المقررات الدراسية، بل يجب عليها أن تطلع بدورها
في تعليم التلاميذ السلوك الحَـسن والصِّـدق
والثقة في الحياة والمجتمع والدولة، فليس من المنطق أن يردِّد الاستاذ شِـعارات الصِّـدق
والأمانة والإخلاص في العمل أمام تلاميذه، ثم يجبرهم أن يحصلوا لديه على ساعات إضافية!
رابعا انتفاء قيمة
العدالة حتى صارت الحظوة للاعبي الكرة والراقصات ونجوم الفن "سريعة التحضير" في حين تراجَـع دور المفكرين والعلماء، وهكذا عندما
تكون الأولويات على طرفي نقيض تضيع كل معانى العدالة.
خامسا تراجع قيمة
الانتِـماء للوطن، إذ أصبح المواطن لا يشعر أن له دور في وطنه سوى الإدلاء بصوته كل
خمس سنوات، حتى لم يعُـد غريبا أن يغامر الشباب على متن قوارب الموت، لكي يصِـلوا إلى
هناك، حيث يحلمون بأن يحقِّـقوا بعض أحلامهم.
سادسا تراجع حاد
في الكثير من القيم مثل قيمة العلم وقيمة العمل وقيمة التدين وقيمة الجمال وقيمة الأمانة،
ما أفقد الأمة الثقة وجعل الناس يشكون في أي شيء وكل شيء.
أسباب كثيرة هدمت
ثوابت المغاربة وحولتهم من شعب كان مسلحا بالنبل والشهامة والانتماء للوطن إلى شعب
مادى منفلت متمرد تآكلت منظومته القيمية والأخلاقية.
وكنا نأمل أن يكون هذا الوباء الذي ابتلانا الله
به، مقدمة أو دعوة لمشروع اجتماعي يعيد إقامة واستواء المجتمع، ويستدعي هوية أمة، تمهيدا
لاستكشاف السبل لإعادة بناء ثقافة تحتوي على منظومات قيمية متماسكة. ولكن يبدو أن الأمر
مؤجل إلى أجل غير مسمى، وسبيلنا للخروج من هذا المأزق يتمثل في التربية في البيت والمدرسة
والشارع، ومن خلال الإعلام والآداب والفنون وكذلك التخلص من الإزدواجية الثقافية والإنحياز
للهوية المغربية.