بقلم عبد الحي الرايس
الأحرارأُبَاةٌ أشاوس، كبيرُو النفوس، شامخو الرؤوس، واضحو الرُّؤَى،
لا يتزحْزحُون عن المواقف.
والمماليكُ صغارُ النفوس، مطأطئو الرؤوس، مسلوبُو الإرادة،
متذبذبُو المواقف.
والناسُ معادن، والشعوبُ مَشاتِل
وخيرُ الناس من سَمَتْ رُوحُه، وصَفَتْ مَشارِبُه، اسْتكْنَه
سِرَّ وجوده، وأيقن أنه عابر، فاختار أن يعيش الحياة في صلاحٍ وفلاح، وحُريَّةٍ وإباء،
وإسْهامٍ ورشاد، وبذلٍ وعطاء.
والعاقلُ من تأسَّى بخيْر الأنام، وترسَّم خطى الأبطال، وسار
على درب الريادة، والعزة، والرشاد.
وخيرُ الشعوب من نبذَتِ التبعيةَ والاستلاب، وتعبأت للتأهيل
والنماء، في اعتداد واستقلاليةِ قرار.
تُسْتَحْضَرُ في هذا شعوبٌ عَدِمَت ْمواردَ مادية فصانتِ
الهُوية، وراهنت على ثروتها البشرية، وصار لها عِزٌّ وكِيان، وشأنٌ أيُّ شأن.
ولعل مما يُثير الحسرة، ويبعث على الإشفاق والدهشة، أن تلقى
شعوباً ضلت طريقها، واستبد بها حكامها، فحنت إلى من كانوا مُتسلطين عليها، وصنعت صنيع
المستجير من الرمضاء بالنار، فتعبأ من تعبأ منها داعياً إلى تجديد الوصاية وعودةِ الاستعمار
الذي كان قد مضى وانتهى، وأدْبر وولَّى، فصاروا يسْألونَهُ الرُّجْعَى.
مبادرةٌ أذهلت المتتبعين الذين كانوا إذا ذُكِرَ لبنان ومَنْ
على شاكلته من بلاد الْعُرْبَان ذَكروا الإباءَ والشموخ، والريادة والصمود، والأنفة
والعزوفَ عن الدَّنِيَّة.
فما الذي حلَّ ببعض الشعوبِ والأمصار، حتى صارت فاقدة الهوية،
مسلوبة الإرادة، منساقة مع التبعية؟ !
ألا قد دقتْ ساعةُ الاختيار:
فإما أحرارٌ يرفعون شأن الأوطان، يحافظون على الاستقلال،
يصونون الْهُوية، ويُحققون العدالة الاجتماعية.
وإما مماليكُ يرضَوْنَ بالْهَوان، ويتنكرون للهُويَّة، ينساقون
مع الاستلاب، ويُرحِّبون بالأغلال.
إذْ لم يَعُدْ ثمةَ مجالٌ للتمويه والمغالطةِ والالتفاف