بقلم الأستاذ
حميد طولست
عمت ثقافة
"الكورونا" جميع بقاع العالم ، وتشبع خلق الله باحترام لقواعد والإجرات الإحترازية
الحامية منها ، وانغرست ثقافة الوقاية الصحية في سلوكيات غالبية البشر ، صغيرهم قبل
كبيرهم ، وأصبح السواد الأعظم منهم يتصرف بتلقائية وعفوية، ضمن قواعد وأحكام الوقاية
مما يقوضها ، كإلتزام وظيفي ،تعود عليه حتى الأطفال ، لكثرة ما سمعوا بها وعنها ، الأمر
الذي لمسته بيسر ووضوح في تصرفات حفيدي الرافضة للتقبيل والعناق ، الذي كان إلى وقت
قريب يفرح بهما ويسعد كثيرا ، فأضحى يكرههما بجنون ، ويمنع أيا كان من تعريضه لهما
، ويكتفي بالتحية بالمرفق أو القدم ، ولم يكن رفضه الشديد للتقبيل والعناق هو الموقف
الوحيد المثير للإستغراب الذي طغى مؤخرا على تصرفاته ، بل إن الأشد غرابة في تصرفاته
المستحدثة هو اعتراضه الجنوني على خروج أي
من أفراد أسرته من المنزل ، وتصديه بالبكاء الهستيري لكل من يهم بذلك دون كمامة .
خلاصة ما استحصلته
من تعامل حفيدي مع كورونا - كما هو حال الكثير
من الأطفال ، بارك الله فيه وفيهم وحفظهم من كل شر- هو أنه إذا كان فعلا حفيدي وهو
الطفل الصغير قد استطاع رغم حداثة سنه أن يستوعب كل الإجرات المعقدة للوقاية من الوباء
، ويطبيقها بكل دقة على أرض الواقع ، فكيف
لم يستطع الأشخاص البالغين من تغيير سلوكياتهم الخاطئة نحو الوباء وقد تحول إلى جائحة
عالمية تهدد حياة الأفراد والمجتمعات وتدمر اقتصادات الدول ؟ ولماذا كل هذا الإصرار
على عدم احترام إجراءات الوقاية من انتشار
الوباء بين الناس ، وكل ذاك التمادي في خرق قرارات التقليص من ارتفاع عدد الإصابات
والوفيات ، وهم بلا ريب ، أعلم من الأطفال
بقيمة الصحة ، وأدرى بأهمية حمايتها ، وأقدر
على تمثلها والإمتثال لتدابير الحفاض عليها ، لإرتفاع منسوب الوعي لديهم بأهمية الصحة
البدنية والروحية أكثر مما هو لدى الأطفال .
ومن هنا يبقى الأمر
الذي يثير حقا مشاعر التعجب والغرابة والاستفسار والتساؤل ، ليس هو تعامل الأطفال
-العاقل والمتعقل- مع كورونا ، وإنما هو النقص الفضيع في الوعي الشعبي بأهمية الصحة
لدى الكثير من المواطنين ، والذي يبقى معه جهود استنهاض الهمم لمجابهته ومواجهته ، مجرد محاولات محدودة النتائج
، ضعيفة التأثير في تغيير الوضعية الوبائية التي أصبحت تدعوا للقلق ، التي هي في حاجة
لتصحيح مسارات
المواطنين الحياتية وتحصينهم من سوء التدبير، ووقايتهم من سيء العادات ، وتعويدهم على
الأخلاقيات والمبادئ التي أقرها الله للمسلمين ، وبعث سبحانه وتعالى برسوله محمداً
صلى الله عليه وسلم لاستكمال منظومتها ، التي تبعد المسلمين عما كرسته في نفوسهم التوجهات
الأيديولوجي التي لا تهتم ببناء الإنسان الصالح بقدر ما تهتم بما يخدم إلا مصالحها
الضيقة ، حتى وإن كان فيها قتل للمشاريع التقدّمية في مهدها ، وناقض الحضارة والتقدمية
والديموقراطية وحقوق الانسان ، وكل القيم والأخلاق والأعراف الإنسانية وتعاليم الدين
.