adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/08/20 - 7:11 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

عمت ثقافة "الكورونا" جميع بقاع العالم ، وتشبع خلق الله باحترام لقواعد والإجرات الإحترازية الحامية منها ، وانغرست ثقافة الوقاية الصحية في سلوكيات غالبية البشر ، صغيرهم قبل كبيرهم ، وأصبح السواد الأعظم منهم يتصرف بتلقائية وعفوية، ضمن قواعد وأحكام الوقاية مما يقوضها ، كإلتزام وظيفي ،تعود عليه حتى الأطفال ، لكثرة ما سمعوا بها وعنها ، الأمر الذي لمسته بيسر ووضوح في تصرفات حفيدي الرافضة للتقبيل والعناق ، الذي كان إلى وقت قريب يفرح بهما ويسعد كثيرا ، فأضحى يكرههما بجنون ، ويمنع أيا كان من تعريضه لهما ، ويكتفي بالتحية بالمرفق أو القدم ، ولم يكن رفضه الشديد للتقبيل والعناق هو الموقف الوحيد المثير للإستغراب الذي طغى مؤخرا على تصرفاته ، بل إن الأشد غرابة في تصرفاته المستحدثة هو اعتراضه الجنوني على  خروج أي من أفراد أسرته من المنزل ، وتصديه بالبكاء الهستيري لكل من يهم بذلك دون كمامة .

خلاصة ما استحصلته من تعامل حفيدي مع  كورونا - كما هو حال الكثير من الأطفال ، بارك الله فيه وفيهم وحفظهم من كل شر- هو أنه إذا كان فعلا حفيدي وهو الطفل الصغير قد استطاع رغم حداثة سنه أن يستوعب كل الإجرات المعقدة للوقاية من الوباء ، ويطبيقها بكل دقة على أرض الواقع  ، فكيف لم يستطع الأشخاص البالغين من تغيير سلوكياتهم الخاطئة نحو الوباء وقد تحول إلى جائحة عالمية تهدد حياة الأفراد والمجتمعات وتدمر اقتصادات الدول ؟ ولماذا كل هذا الإصرار على عدم  احترام إجراءات الوقاية من انتشار الوباء بين الناس ، وكل ذاك التمادي في خرق قرارات التقليص من ارتفاع عدد الإصابات والوفيات ، وهم  بلا ريب ، أعلم من الأطفال بقيمة الصحة ، وأدرى بأهمية حمايتها  ، وأقدر على تمثلها والإمتثال لتدابير الحفاض عليها ، لإرتفاع منسوب الوعي لديهم بأهمية الصحة البدنية والروحية أكثر مما هو لدى الأطفال .

ومن هنا يبقى الأمر الذي يثير حقا مشاعر التعجب والغرابة والاستفسار والتساؤل ، ليس هو تعامل الأطفال -العاقل والمتعقل- مع كورونا ، وإنما هو النقص الفضيع في الوعي الشعبي بأهمية الصحة لدى الكثير من المواطنين ، والذي يبقى معه جهود استنهاض الهمم  لمجابهته ومواجهته ، مجرد محاولات محدودة النتائج ، ضعيفة التأثير في تغيير الوضعية الوبائية التي أصبحت تدعوا للقلق ، التي هي في حاجة

لتصحيح مسارات المواطنين الحياتية وتحصينهم من سوء التدبير، ووقايتهم من سيء العادات ، وتعويدهم على الأخلاقيات والمبادئ التي أقرها الله للمسلمين ، وبعث سبحانه وتعالى برسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لاستكمال منظومتها ، التي تبعد المسلمين عما كرسته في نفوسهم التوجهات الأيديولوجي التي لا تهتم ببناء الإنسان الصالح بقدر ما تهتم بما يخدم إلا مصالحها الضيقة ، حتى وإن كان فيها قتل للمشاريع التقدّمية في مهدها ، وناقض الحضارة والتقدمية والديموقراطية وحقوق الانسان ، وكل القيم والأخلاق والأعراف الإنسانية وتعاليم الدين .