بقلم عبدالحي الرايس
والدعوة إلى إرجاء
موعد الدخول المدرسي لا تَعْنِي الاستمرارَ في إغلاق المؤسسات في انتظار ما تُسْفِرُ
عنه الإحصائيات، ومُستجَدَّاتُ تفشِّي الوباء.
وإنما تُفيد الاشتغالَ
على قدَمٍ وساق لإصلاح حال المدارس، وتكييفها مع متطلبات مواجهة هذا الطارئ العنيد
الْمُلازم، سريعِ الانتشار، المتسللٍ إلى الأبدان، والمتوعِّدٍ بمزيدٍ من حصد الأرواح.
وحالُ العديد من
المدارس يبعثُ على الإشفاق، ويُغني عن السؤال، ولنبدأ بمرافقها الصحية التي تقتضي رفعَ
درجة الاهتمام بها سِيَّما في راهنِ الظرفية، فهي إما غائبةٌ في بعضها، أو ناقصةُ التجهيزِ،
مُهملَةُ الصيانةِ في بعضها الآخر.
فإذا عَدَوْنَاها
إلى الفصول ألفيناها مُكتظة بالطاولات، وبها سبورة مُعلقة، تُشكِّلُ الكتابةُ عليها
ومَحْوُها خطراً بسبب ذراتِ الغبار المتطايرة، فإذا رُفِعَ البصَرُ إلى السقوف أو التفَتَ
إلى النوافذ، ارتدَّ في كثير منها وهو حسير، وإذا سألتَ عن طاقم الصيانة وجدتَهُ كثيراً
ما يُختَزَلُ في واحد قد يتقاعدُ فلا يُعَوَّض.
وقد كان لحلول
الجائحة في عموم البلادِ تعبئةٌ وتدبيرٌ للطوارئ، مما عجل بإصدار القوانين وتجنيد الأطر
والوسائل.
أفلا تكونُ لتعليمِ
الصغار، وضمانِ سلامةِ ومُستقبلِ الأجيال فرصةٌ لتدارُك ما فات المؤسسات، وتزويدِها
بما تقتضيه المواجهةُ من وسائلَ وأطرٍ ومُسْتلزمات؟
ولجمعياتِ الآباء
دَوْرٌ أيُّ دور للإسهام الفعال في إنجاح حكامةٍ تنتظمُ مُختلِفَ الفاعلين المعنيين
بأمر النهوض بالتعليم وإصلاح حال مؤسساته.
وفي هذا السياق، لم لا يتجه التفكير إلى إحياء الطب
المدرسي، واستغلال فضاء الساحات بالمؤسسة لتثبيت خيام تكون امتدادا وتكملة للأقسام
.
هذا عن الإطار
المادي، فما ذا عن التدبير التعليمي والتربوي؟
لاشك أن ظاهرة
اكتظاظ الفصول، والتقديمَ الشكلي للدروس، لم يَعُدْ وارداً ولا مقبولاً، لا صحياً ولا
تعليمياً، وإذن فلا مندوحةَ عن تفويج المُتعلمين، ومراجعةِ المناهج والبرامج والطرائقِ
والوسائل.
وكلُّ ذلك يتطلبُ
جلساتٍ واجتماعات، وتدابيرَ وقرارات، تقتضي التبصُّرَ والإسْراع، وتَنْأى عن التسرُّعِ
والارتجال.
ويسألُ السائلُ
عن التوجُّه في التفويج، هل يتمُّ بعزل الْمُتميزين عن الْمُسايرين؟ فياتي النصحُ بالإبقاء
في كلِّ فوْج على فئةٍ من هؤلاءِ وأولئك، مع التوجيهِ إلى الاشتغال في مجموعات، فتكون
فرصة تكميلية لاستفادةِ الواحدِ من الآخر في استيعابِ المُعطيات، وتذليلِ الصعوبات،
اهتداءً بمقولةِ ابنِ سينا: "إن الصبيَّ عن الصبي ألْقَن، وهو عنه آخَذ، وبه آنَس،
وأدْعَى لِلتَّعَلُّم"
وبعد، لَطالما
رَدَّدَ القومُ "رُبَّ ضارةٍ نافعة" ، فعسى أن تكون الجائحةُ - بتداعياتها
ومتطلباتِ مُواجهتها - باعثاً على إصلاحاتٍ جذريةٍ في قطاعيْ التعليمِ والصحة، فهُمَا
مُتلازمتان لا تنهضُ أمَّةٌ بدون اعتبارهما في صدارةِ الأوْلويَّات، ومَنْحِهما كاملَ
الاعتبارِ والمُستلزمات، ومَوْفورَ الدعْمِ والاِعْتمادات.