بقلم عبدالحي الرايس
وما هذا الفردوسُ
غيرُ جنان مولاي الكامل الذي ترادفت تسميته بملعب الخيل، ودأبت أطيافُ أهل فاس على
اتخاذه مُسْتراحاً ومَرْبَعا، فإذا همُّوا بتهيئته قال قائل منهم إنه مُتنزه المدينة،
فليظل لها متنفَّساً، وليكن التباري في تصميمه وإضفاء البهاء عليه، نسجاً على منوال
مدن عالمية توسطتها مُتنزهات بمئات الهكتارات، فاحْترمت قدسيتها واعتبرتها فضاءاتٍ
طبيعية ومتنفساتٍ للسكان لا يطُولُها استثناء، ولا تنالُ من مساحتها مضارباتٌ ولا أطماع.
وبعد تداول الرأي
كان الانتهاءُ إلى الإبقاء على 18 من أصل 32 هكتاراً مُتنزهاً لا تشوبُه شائبة الاقتطاع
ولا الانتقاص، صُودِقَ على ذلك بالإجماع، وتمَّ البَصْمُ عليه بمرسوم للوزير الأول
يُرَسِّمُ القرار.
وبين تجربتين جماعيتين:
سارعت الأولى إلى التعاقد مع مستثمر ـ شريطة احترام مساحة المتنزه ـ وكان عليها تحفُّظٌ واعتراض، خشية ما قد يُساور
المتعاقدَ من أطماع، وبادرت الثانية إلى التفويت بأضعاف القيمة، تبدَّدَ الحُلمُ بالفردوس
الموعُود، وتقلص حجمُ المتنزه إلى ثلث المأمُول، وصارت المعزوفةُ المتكررة لدى من اجترأ
على ذلك أن التفويتَ تم بأضعاف القيمة.
ومن أسف أن الفضاء
الطبيعي لا تُقدَّرُ قيمتُه بثمن مهما غلا وتضاعف
فلْيكفَّ المتبجحون
بالأرقام عن التباهي بجنْي الأضعاف، فالعبرة بما تحافظ عليه المدينة من فضاءاتها الطبيعية،
وبما قد تُضيفه لتحقيق توازناتها البيئية، وليس بما قد تُغِلُّهُ من أرقامٍ لا تلبث
أن تتبدد لتُفيق المدينة على رصيد يَنْفَد، وإسمنتٍ يتكاثف ويتعدد، واختناقٍ يتوطَّن.
تلكم هي القيمة
الحقيقية والمرجعية الصادقة، ويكفي استحضارُ تجاربِ مُدنٍ أجهزتْ على بنايات ومُنشآت
حتى تُحْدِثَ الحدائق والمُتنزَّهات، ليتعطل لسانُ من دأب على التبجُّح بالأرقام للإلهاء
عن اغتصابِ مساحاتٍ خضراء، لفائدة الإسمنت والمعمار.
ولمُتنزه ملعب
الخيل نظائرُ تتحدثُ عما اقتُرِفَ في حق التوازن البيئي بالمدينة من جَرَائر.