بقلم د سامر ابو
القاس
يبدو أن ارتفاع
منسوب العجز، وعدم القدرة على تطويق الجائحة والتحكم في العوامل الرئيسية المساعدة
على الانتشار الأوسع للفيروس، والذهول أمام ارتفاع نسب الإصابات المؤكدة واتساع دائرة
المخالطة، والتخوف من الدخول في مرحلة أخرى من مراحل الرعب في التعامل مع الجائحة،
هو السبب في الإقدام على القرار المتسرع في منع التنقل من وإلى العديد من المدن.
إذ كان بالإمكان
إعطاء مهلة 48 ساعة، من أجل تيسير عملية عودة المواطنات والمواطنين إلى أماكن إقامتهم،
دون السقوط في حالة الذعر والهلع والتخوف، التي قادت بالأمس العائلات إلى ملء الطرقات
في ساعات متأخرة من الليل، وما صاحب ذلك من مخاطر وحوادث.
ليس لدى الجميع
أدنى شك في أن الوضع حرج للغاية، سواء باستحضار معطى مواجهة الاقتصاد المغربي لمخاطر
محلية وخارجية كبيرة، أو باستحضار معطى التأثر السلبي الكبير لجائحة كورونا على الاقتصاد
ذاته وما يترتب عن ذلك من تداعيات مالية واجتماعية على الأسر والأفراد، أو باستحضار
معطى غياب سياسة للنهوض بثقافة المواطنة وما لذلك من انعكاسات سلبية على وعي الأفراد
بالمخاطر المهددة للكيان المجتمعي خاصة في ظل وضع لا زال متسما بتفشي الجهل والأمية،
وهو ما يُصَعِّب عملية التجاوب مع الاختيارات والقرارات المتخذة، ويرهق السلطات المحلية
في أداء واجب الحرص على تطبيق الإجراءات والتدابير على أرض الواقع.
لكن رفع منسوب
التخوف لدى المغاربة، دولة وشعبا، مما يمكن أن يضغط أكثر على الوضع داخل البلاد، ويزيد
من احتمالية تدهور أكبر للظروف الصحية والمالية والحقوقية والأمنية، هذا أمر كان بالإمكان
تفاديه في مثل هذه الظروف التي نجتازها اليوم من العيش في أوضاع غير عادية ومشوبة بالترقب
والحذر من السقوط في المحظور.
وإذ نثير هذا المشكل،
وبهذا الوضوح اللازم، وفي ظل هذه الظرفية، نريد أن نبين جزءً من الحقيقة الضائعة في
تفاصيل التخبط من حيث التعاطي مع فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي من ناحية، والرفع التدريجي
لهذه الحالة بالنظر إلى مؤشرات القياس الدالة على مدى النجاعة والنجاح في اجتياز عاصفة
هذه الجائحة من ناحية أخرى.
فالظرفية مطبوعة
على العموم بدخول المغاربة في وضعية الرفع التدريجي والحَذِر للحجر الصحي الذي اقتضته
الجائحة، لكنها في نفس الوقت متسمة على وجه الخصوص بعدم إلغاء مراسيم الاحتفال بعيد
الأضحى وما يرافقه من طقوس تقتضي التنقل بين المدن والأقاليم والجهات حسب العادات والتقاليد
العائلية المغربية التي تفرضها هذه المناسبة دون غيرها من الأعياد الدينية والوطنية،
وحسب ظروف وشروط الأسواق الحاضنة لبيع وشراء أضحية العيد، دون أدنى إشارة إلى أي نوع
من أنواع التقنين اللازمة في مثل هذه الحالات.
كما أن هذه الظرفية
مطبوعة كذلك بعدم اعتماد أي معيار في التنقل داخل التراب الوطني إلا حسبما يقتضيه الأمر
من تفاصيل التمييز بين المنطقتين الأولى والثانية، والتي بدورها لم تكن خاضعة للحزم
والصرامة في التطبيق العملي والميداني، وهو ما يلقي بالمسؤولية ليس فقط على المواطنات
والمواطنين من حيث عدم الالتزام بإجراءات الوقاية كالقناع الطبي والتباعد الجسدي والتنظيف
والتعقيم، بل تقع كذلك على السلطات المحلية الساهرة على إنفاذ القوانين وتطبيق الإجراءات
والتدابير الخاصة بالوقاية في الأماكن العمومية، وبالانتشار المريع للأسواق العشوائية
والباعة المتجولين داخل الأحياء والأزقة، وبالتنقل فيما بين المنطقتين دون الاحترام
الواجب للإجراءات المقررة لذلك.
فتنقل الفيروس
بين الوحدات المهنية والعائلية، وتحركه بين المناطق والأقاليم والجهات، المسؤولية فيه
لا ترجع إلى المواطنات والمواطنين، بحكم عدم التمكن من إخضاع جميع المصابين والمخالطين
للتحاليل، وعدم ضبط قاعدة انتشار الفيروس، وكذا عدم القدرة على تطويق مدار انتشاره،
وهي المعطيات التي كان من المفروض أن تكون مؤشرات قياس في تلك النشرات اليومية لوزارة
الصحة، بدل اكتفائها بتقديم أرقام وإحصائيات ترصد بطريقة جافة أعداد الوفيات والمصابين
والمتعافين.
لذلك، وإذا كان
التفكير فيما بعد كورونا قد انطلق في نهاية شهر أبريل، ونحن اليوم على مشارف نهاية
شهر يوليوز، فهل بالإمكان تبديد مخاوف الرأي العام الوطني، والإجابة عن هذه الأسئلة
الحارقة دون لف ولا دوران؟
ما هي الأسباب
الأساسية المعرقلة للمجهود الوطني في مواجهة الجائحة؟
ما هي حدود قدرة
الدولة على التحكم في الوضعية؟
ما هي السيناريوهات
الممكنة للعودة إلى الحياة العادية؟
وما هي تفاصيل
استراتيجية رفع حالة الطوارئ الصحية بدقة؟
وكيف ستتم عودة
مختلف القطاعات والمؤسسات إلى ممارسة أنشطتها؟
وما هي الموارد
الضرورية اللازم تعبئتها لإعطاء انطلاقة جديدة للحياة العادية؟
وكيف سيتم التعامل
مع القطاعات الإنتاجية والخدماتية من حيث الالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة من الفيروس؟
وكيف سيتم التعامل
الحازم والصارم مع التنقل بشكل عام بين المناطق والأقاليم والجهات؟؟؟