لا زالت ردود الفعل
السياسية والدينية تتناسل بشأن القرار الذي اتخذه القضاء التركي بشأن عودة آيا صوفيا مسجدا مرة أخرى.
ومع تصاعد الجدل
بشأن القرار الذي وقعه الرئيس التركي، لا بد من تصفح تاريخ هذا الصرح الكبير، حيث اتفقت
الكثير من المصادر التاريخية على أن هذا البناء تم افتتاحه بالشكل الذي هو عليه عام
537 بأمر من الإمبراطور "جوستنيان الأول"، بتصميم المهندسين "ابسيدروس"
و "انتيموس"، إلا أن التاريخ الأول لهذا البناء يرجع إلى عام 360م في عهد
قسطنطين الأول، وكان يسمى "إيكليسيا مجالي " أي الكنيسة الكبيرة، وكانت رمزا
من رموز المسيحية الأرثدوكسية ، غير أن المبنى تعرض للحرق إبان الثورة على حكم
"قسطنطين الثاني" الذي قتل أثناء هذا التمرد، ثم أعاد بناءه "ثيودوسيوس"
وبنى كذلك أسوار القسطنطينية التي جعلتها أكثر القلاع تحصينا وأمنعها في العالم، ورغم
ذلك مرة أخرى يتعرض المبنى للحرق والتخريب
من الداخل.
وعلى أنقاض البناء القديم شُيّد البناء الحالي الذي
هو آيا صوفيا في هيأته الحالية، وظل هذا البناء كاتدرائية أرثوذكسية لنحو 916 عاماً،
إلى أن فتح سابع سلاطين الامبراطورية العثمانية
محمد الفاتح إسطنبول عام 1453، وأمر بتحويل الكاتدرائية إلى جامع تقام في الصلوات،
وأضاف إليه تلك المآذن التي زادته بهاء ورونقا، وبعد نحو 5 قرون من ذلك، قرر مصطفى
كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية تحويله إلى متحف تاريخي اعتباراً من عام 1935،
ولم تقم أية شعائر دينية بداخله منذ ذلك الحين.
ولعل هذه الانتقادات
الدينية والسياسية الدولية التي تثار بسبب تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، استنادا
إلى ما وصف بوثائق تاريخية تؤكد شراء السلطان محمد الفاتح مبنى "كنيسة" أيا
صوفيا من القساوسة قبل تحويله إلى مسجد، ما هو إلا استمرار لما تعرض له الفتح العثماني
للقسطنطينية من حملات تشويه وافتراء كانت أهدافها أبعد من مجرد إثبات الحقيقة، فهي
جزء من برنامج سياسي له خصومات تتعلق بالإسلام أو التاريخ الاسلامي الذي تؤرق إنجازاته
الكبيرة كثيراً من العاجزين عن مطاولتها في عالمنا المعاصر.
هذا وإذا كان ولا
بد من اتخاذ موقف من هذا الحدث، فموقف الحياد يقتضي منا أن نسائل دول الغرب ومن يدور في فلكها من العرب
التي صاحت بأعلى صوتها وعبرت عن استنكارها الموقف التركي من آيا صوفيا، هل قاست بميزان
الإنصاف نفسه، واستنكرت بالمثل الموقف الذي اتخذته كثير من دول الغرب بتحويل المساجد
إلى كنائس ، وعبّرت عن موقفها الإنساني تجاه هذه الرموز الحضارية الاسلامية.
وبالمنطق الذي
يتحدث به بعض المسلمين، فإن حماية إرثنا الإسلامي في الغرب وخاصة في الأندلس، أهم من
تحويل مسجد إلى مسجد، أما الأهم منهما معاً فهو المحافظة على هوية المسجد الأقصى.
ابراهيم فارح