كشف مقتل الأمريكي
جورج فلويد عن حجم التمييز العنصري وتسلط رجال الشرطة ليس في المجتمع الأمريكي فقط
بل في مجتمعات الغرب عموما، لتنطلق الاحتجاجات في مختلف العواصم الأوروبية. لكن فلويد
المغربي الفتى إلياس الطاهري الذي قتل قبل عام على يد الشرطة الإسبانية، كشف أيضا عن
خلل في العدالة الإسبانية، حينما يتعلق الأمر بمهاجر أجنبي، وكيف يتم التزوير في المحاضر
والتقارير الطبية، لذلك سارعت السلطات الإسبانية لإعادة فتح الملف، بعد نشر شريط فيديو
يظهر كيفية مقتل الطاهري اختناقا خلال عملية تقييده من قبل 6 حراس أمن إسبان في مركز
لإيواء القاصرين.
وأمر مكتب المدعي
العام في مدينة ألميريا/جنوب إسبانيا بإعادة فتح قضية
البالغ من
العمر 18عامًا، والقادم من مدينة تطوان، الذي توفي يوم 1يوليو من العام الماضي، بعد
تقييده بأربطة على يديه وقدميه، وتثبيته على السرير إثر تدخل لعناصر الشرطة الإسبانية
في مركز إصلاح الشباب في ألميريا، والذي تفجرت قضيته بعد مقتل الأمريكي جورج فلوريد
بطريقة مشابهة لها وقع له.
وأشارت قصاصة صادرة
عن وكالة الأخبار الإسبانية، أن مكتب المدعي العام في ألميريا طلب إصدار أمر جديد من
أجل مواصلة التحقيق، لتوضيح المسؤوليات المحتملة في حالة وفاة إلياس وقال في رسالة
بعثها إلى “ائتلاف العدالة لإلياس” انه يتفهم “أن جميع الشروط التي يقتضيها قانوننا
الجنائي والسوابق القضائية للمحكمة العليا مستوفاة لمتابعة الأشخاص الذين وافقوا وأمروا
بتطبيق بروتوكول التقييد الميكانيكي الذي أدى لوفاة إلياس”. وطلب من محكمة بورشينا
بألميريا، قبول الاستئناف من أسرة الشاب المتوفي، في الملف الذي تمت أرشفته من أجل
تحديد المسؤوليات التي يمكن أن تنجم عنها.
وأشار المدعي العام
كارلوس كاستريسانا إلى أن رئيس مؤسسة الوسيط “ديوان المظالم الإسباني” طلب الاستغناء
عن بروتوكول التقييد الميكانيكي، وطلب من جمعية “GINSO” المسؤولة عن إدارة مركز القاصرين،
تعليق البروتوكول المذكور وأن المعلومات المتاحة في هذه القضية لا تكشف “حتى الآن”
عن وجود جريمة منسوبة إلى الأشخاص موضوع التحقيق، وهم موظفو جمعية “GINSO” و”لم يثبت تدخل متعمد ضد الشاب الذي
مات” لأنه “لا يوجد عيب في تقرير تشريح الجثة” ما يشير إلى أن المدعى عليه يمكن أن
يكون قد “استخدم القوة المفرطة ماديًا” إلا انه استنادا إلى المعلومات والاعتبارات
التي كشف عنها المستأنف والأطراف الأخرى في مذكراتهم، والمعلومات المتاحة “نعتقد ان
بعض هذه الادعاءات يجب التحقيق فيها”.
وسبق للقضاء الإسباني
أن بت في القضية في يناير الماضي، واعتبر أن وفاة إلياس كانت “عرضية” وأن حراس الأمن
طبقوا البروتوكول المعتمد بشكل صحيح عندما احتجزوه بحزام، لكن المدعي العام أمر بإعادة
فتح القضية، يوم الخميس الماضي 18 يونيو الجاري، تحت ضغط حقوقي وإعلامي، واعتبر أن
البروتوكول المذكور مخالف للقانون، “وأنه يعرض حياة القاصرين وسلامتهم الجسدية للخطر”.
وأشار المدعي العام
في قراره إلى أن الشريط الذي نشرته صحيفة “البايس” الإسبانية الأسبوع الماضي، لعناصر
الأمن مع إلياس أثناء تقييده يظهر غياب الإشراف التام للموظفين الصحيين على العملية،
في مخالفة صريحة للقانون واستنادا إلى المعلومات والاعتبارات التي كشفت عنها الأسرة
والأطراف الأخرى في مذكرات الاستئناف والادعاءات الخاصة بهم، وجب إعادة فتح القضية
ومواصلة التحقيق فيها.
وشرح مكتب المدعي
العام الإسباني أنه سبق واتفق مع قاضي التحقيق أنه في يوم الأحداث كان الشاب مضطربًا
وهائجا للغاية وكان ضبطه أمرا ضروريا، لذلك تم شل حركته بقيود وتثبيته لفترات طويلة
عن طريق أشرطة لاصقة على سرير تم إعداده لهذا الغرض، لكن هذا البروتوكول وضع القاصر
في وضع أكثر خطورة، وهو أمر لا مبرر له، وبالتالي فهو غير شرعي، مشيرا أنه في القانون
الجنائي الإسباني يصبح من يتسبب في وضع خطير قد يلحق الضرر أو الأذى بالآخرين، تحت
المسؤولية الجنائية.
ورأى المدعي العام
أن البروتوكول الذي اعتبره القاضي عاديا، في نسخته المحدثة في 19مارس 2018 والذي تم
تطبيقه يوم الحادث، وتمت الموافقة عليه في 28 مايو 2018 من قبل المديرية العامة لقضاء
الأحداث والحكومة الأندلسية، ليس جزءا من النظام القانوني الإسباني، لأنه مجرد تنظيم
للأداء الداخلي، تضعه اللجنة الفنية لمراكز الإيواء، واعتمدته الجمعية التي تشرف على
المركز الذي توفي فيه إلياس.
وأكد المدعي العام
الإسباني أن تطبيق هذا البروتوكول لا يعفي من المسؤولية، لأنه لا يعكس في كثير من الأحيان
الحد الأدنى من معايير الأمن في التدخل والحفاظ على السلامة الجسدية، لأنه خلق حالة
من الخطر الجسيم وتم اعتماده رغم التحذيرات والتوصيات الصريحة من الهيئات العامة الإسبانية
والأوروبية المختصة لوقف ممارسة هذا الإجراء، الذي يطبق لفترات طويلة على السرير في
وضعية تنتج خطورة كبيرة، ولها تأثير على كرامة الناس لدرجة أنها ترقى لمعاملة قاسية
ولا إنسانية ومهينة.
ووفق المدعي العام
فإن الأمر لا يتعلق بالتقييد نفسه ولكن بالطريقة التي مورس بها، حيث تم احتجاز الشاب
رأسا على عقب، من دون معيار مهني أو إجراء طبي، حيث أن “الطبيب تم إبلاغه بعد تطبيق
الإجراء، وليس قبله، وهو أمر كان أيضًا حاسمًا في وفاة إلياس” يضاف إليه أن بروتوكول
التقييد تم بقرار حصري من الحراس، الذين عهد لهم للقيام بهذا وهم غير مؤهلين لذلك،
وهذه أول العناصر الموضوعية التي تشكل جريمة القتل غير العمد.
وبعد نشر صحيفة
“البايس” تحقيقا عن مقتل الطاهري مرفوقا بشريط الفيديو، طالبت هيئات حقوقية مغربية
وإسبانية من بينها خصوصا “ائتلاف العدالة لإلياس” الذي يضم سياسيين ومحامين وجمعيات
المجتمع المدني، والذي تقدم بشكاية عن طريق مؤسسة ابن بطوطة الإسبانية وقال المحامي
ومنسق الائتلاف مراد العجوطي، إن “هذا القرار جاء بعدما تعالت نداءات حقوقية لإعادة
فتح التحقيق” ووصف رسالة المدعي العام بانها خطوة إيجابية في المسار الصحيح، لكنه عبر
عن قلقه من محاولته “نزع المسؤولية عن مرتكبي هذه الجريمة، بمحاولة تكييف الواقعة كأنها
إفراط في استعمال القوة فقط”.
وسأل برلمانيون
مغاربة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حول قضية إلياس الطاهري، وقال النائب البرلماني
محمد بن جلول إن المجتمع المدني المغربي ومن خلاله الرأي العام الوطني والدولي يتابع
قضية مقتل الشاب المغربي إلياس الطاهري الذي تبين من شريط الفيديو المسرب، أن الضحية
تعرض لمعاملة لا إنسانية وقاسية أدت إلى موته اختناقا وأن الأمر يتعلق بجريمة قتل عمد
غذتها الكراهية والعنصرية وليست بوفاة عرضية عنيفة.
واعتبر النائب
بن جلول أن هذه الواقعة الأليمة تعيد إلى الواجهة المعاملات التي تحمل طابع الكراهية
والعنصرية المعرض لها مغاربة العالم، الشيء الذي يفرض على الحكومة المغربية تبني سياسة
تدفع هذا الحيف والتمييز عن مواطنيها. وتساءل عن التدابير التي ستتخذها الوزارة من
أجل تقديم الدعم القضائي والقنصلي لذوي حقوق الضحية إلياس الطاهري حتى يتسنى إحقاق
العدالة في هذه القضية؟ وكذا عن الإجراءات الدبلوماسية التي ستفعلونها مع السلطات الإسبانية
حتى تأخذ هذه القضية مجراها الصحيح أمام العدالة الإسبانية؟ وما السياسة المزمع اتباعها
لحماية مغاربة العالم تجاه المعاملات التي تحمل طابع الكراهية والعنصرية التي قد يتعرض
لها بعض مغاربة العالم؟
القدس العربي