بقلم عبد الحي
الرايس
ما فتئ الناسُ
على مَرِّ الزمان، وفي مُختلِفِ الأمْصار، يتباهوْن ويتنافسُون في بِنَاءِ الصُّرُوح
والأبْراج، ولعل أعلاها وأبهاها صرْحُ الوطن، وهو أشبه ما يكون بسفينة نوح يُبنَى بنكران
ذات، وعزم وإيمان فيصمُدُ أمام الأعاصير، يَنجُو من الغرق، ويُنْجِي من الطوفان.
وكما علَّمتنا
جائحة العصر إجراءَ فحوص على الراغبين في الإركاب، أو القاصدين للإنتاج، علينا أن نستفيدَ
الدرْس، ونُعَمِّمَ الفحْصَ على مُمثلي الشعب وأصحاب القرار، فمَن سَلِمَتْ يَدُهُ،
ونضَج فكرُه، وصدق عزمُه، وسكنه الهيام بالوطن نال الثقة، وولج فضاء الامتحان، ومن
كانتْ به حُمَّى الوصول، ولَوْثَة الرِّيعِ، وصَفَاقة الْجَهْل، أُقْصِيَ فأراح منه
البلادَ والعباد.
وإنما تُعلِي صرْحَ
الوطن كفاءاتٌ عالية، وإراداتٌ مُخلصة، ونفوسٌ زاهدة، وهِمَمٌ دَرَّاكَة لا يشوبُها
فتور ولا يَعْتريها مَلَلٌ ولا كَلَل.
ومَجْدُ الوطن
مَدِينٌ لِمَنْ وهَبُوا الأرْوَاح، وسُلِبُوا الحُرية، واسترخصوا الأموال، فحطموا القيود،
وانتزعوا الاستقلال.
هم أيضاً من أحدثوا
المدارسَ الوطنية لغرس القيم، وصيانة الْهُوِيَّة، في زُهْدٍ وغيْريَّة، فأنْتجُوا
أجيالا تنشُد العلا، تهْوَى المجد، وتهيم بالوطن.
ولن يَبْنِيَ الصَّرْحَ
شامخاً صامِداً غيرُ مُتشبعين بنفس الروح، لا يُقيمُون وَزْناً لِجَاهٍ ولا مال، وإنما
يَنْشدون عِزَّ الوطن، ورفع شأنه بين الأمم، وتحصينَهُ من كل رِيعٍ واسْتلاب، وتِيهٍ
وضَلاَل، شعارهم المتجدد:"حب الوطن من الإيمان".
فإذا حضر الْوَعْيُ
وصدق العَزْمُ هانتْ كل الصعاب، وصارت المستحيلاتُ مُمْكنات، وتتالى ارتقاءُ المدارج،
وكَسْبُ الرِّهَانات.