adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/06/12 - 10:20 م

بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق/ الجزائر  
أبحاث من تحت المجهر
باتت ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربية أزمة مستفحلة تكاد تصل كل بيت  بالرغم من الكم الهائل من الموروث الديني والثقافي الذي  اوجد حلولا تمنع ظهور هذه الظاهرة. 
إلا أن  ثمة عقول وعادات متخلفة  وأنماط حياة مستوردة وشروط شكلية كثيرة دخلت على الخط فغيرت مسارات كثيرة نحو الاتجاه المعاكس سمحت لهذه الظاهرة بالنخر في نسيج المجتمعات الشرقية فالعنوسة ليست هي وحدها المشكلة وإنما ما يترتب عليها من آثار سلبية وجرائم ترتكب بحق الذات والمجتمع والدين  في الوقت الذي أصبح ينظر إلى الفتاة العانس على أنها مذنبة واغفل الجميع أنها الضحية. 
ويظهر التباين في حجم المشكلة بين الجنسين عند الحديث عن سن الزواج للذكور أو للإناث , فإذا ما تعدى الشاب الثلاثينيات  وأصبح في الأربعينيات من عمره ينظر إليه على انه إنسان ناضج و يعي معنى المسؤولية بل انه ما زال في ربيع العمر, وهذا يختلف بالنسبة للفتيات التي تبدأ مشكلة العنوسة بتهديدهن عند تخطي حاجز العشرينيات, ليشار إليها بأنها عانس.
أسباب العنوسة 
تختلف أسباب العنوسة ومظاهرها من مجتمع لآخر - 
بحيث يرى أن  كان تعلم المرأة له  دور كبير في استفحال هذه الظاهرة، فقد استفادت المرأة في كثير من الأحيان من الانفتاح في دفع مسيرتهن العلمية ، في حين كانت أعباء كثير من  الشباب ثقيلة لم تسمح لهم بمتابعة تعليمهم ، الأمر الذي أدى إلى تفاوت كبير في المستوى التعليمي بين كثير من الشاب و الفتاة ، فأحجم الشباب عن الفتاة المتعلمة خوفاً من تعاليها عليه نتيجة (للتعليم ذي الطابع الذكوري ) ، ورفضت هي الاقتران بمن هو أقل منها خوفاً من اضطهاده لها و التعامل معها بعنف ليقتل فيها إحساسها بالتميز و التفوق.
 كذلك المغالاة في المهور والتكاليف المصاحبة للزواج : 
فقد غالى أولياء كثير من الأمور بالمهور و التكاليف المصاحبة للزواج مما المقدم على الزواج يعتقد أنه سيكبل بالأغلال إذا ما أقدم على هذه الخطوة !
 ولو عقل هؤلاء ما غالوا في المهور بل غالوا بالأكفاء بحثا و تقديراً.
وقد أصبح زواج المواطنين من أجنبيات سبب آخر خطير وراء انتشار العنوسة ، وأضف إلى ذلك بعض العوامل التي ساعدت على استمرار تفاقم هذه الظاهرة، تحددت في الانتشار الكبير لبدائل غير مشروعة، مثل الزواج العرفي وزياد إقبال الشباب على الإنترنت، وهي طرق بديلة وخاطئة لجأ إليها كثير من الشباب للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالجنس الآخر.  
وترى أن الأسباب في دول مثل الأردن وسوريا ومصر والسودان وغيرها فتتلخص في  ثلاثة عوامل رئيسية : 
1- العامل الاقتصادي حيث يعتبر هذا العامل جذر التأثير في أية علاقة إنسانية إن لم نقل انه المُحَدِد الأهم في شبكة العلاقات بين الأفراد والأمم والعامل الاقتصادي يؤثر في قرار الرجل من ناحية قدرته على تحمل مصاريف المهور العالية والقدرة على بناء عائلة وإنجاب الأطفال، إن ارتفاع الأسعار على الصعيد العالمي وخاصة في مجتمعاتنا وبالتحديد أسعار الأراضي والبيوت والإيجارات والأثاث ضاعف من تأثير الجانب الاقتصادي برفع نسبة . والتالي هو نظرة خاطفة على بعض الإحصائيات التي درست ظاهرة العنوسة في بعض الدول العربية يؤكد على مدى تأثير الجانب الاقتصادي في انتشار الظاهرة فنسبتها كانت في العراق 85% ممن بلغن سنة الزواج وتجاوزن عمر 35 سنة، وتقول الدراسات إن 50% من الشباب السوري أعزب و60% من الفتيات السوريات عاز بات أما مصر فيبلغ عدد العوانس في مصر 6.5 مليون، ممن تجاوزت أعمارهن 35 عاما وثلث سكان الجزائر عوانس وعزاب‏ ممن بلغوا سن الزواج وتجاوزها و نسبة العزاب ‏20%‏ في كلٍّ من السودان والصومال وفي الأردن 5% .إن العامل الاقتصادي مؤثر كبير لانتشار الظاهرة ولكنه لا يمثل العامل الوحيد .
2-العامل السياسي الحروب والصراعات: تؤكد الإحصائيات إن عدد الولادات وبالذات الذكور يرتفع مع كل حرب تشهده البشرية في عملية طبيعية لحفظ التوازن الطبيعي للسكان وبالذات في مجال التوازن الجنسي وكذلك يرافق كل حرب انتشارا كبيرا لظاهرة العنوسة وخلق أشكال جديدة لها، فالحرب كونها أم الأزمات وبالذات الاقتصادية تخلق الجانب الاقتصادي وتبعد الشباب عن المجتمع إلى ساحات غير إنسانية تمارس فيها عمليات القتل المجاني الذي يؤدي إلى خلق الأرامل وهي أشكال جديدة للعنوسة، ويمكن اعتبار الحرب كونه امتداد عنفي للسياسة عامل مركب في خلق الظاهرة والأكثر وضوحا في ملاحظتها فعلى سبيل المثال ونتيجة للحروب التي شهدتها وشنها العراق زمن نظام الرئيس السابق صدام حسين انتشرت العنوسة لتبلغ 85% ممن بلغن سنة الزواج وتجاوزن عمر 35 سنة
العامل الاجتماعي: يمكن اعتبار العامل الاجتماعي احد الأسباب المؤثرة في شيوع الظاهرة فعلى سبيل المثال ظاهرة قيام الأسرة المصرية بتجهيز البنت للزواج وعدم قدرة العائلة على المصاريف يمثل احد أسباب انتشار العنوسة في مصر وانتشار ظاهرة عدم تزويج البنت الصغرى قبل الكبيرة في المجتمعات العربية شكل آخر من أشكال المحددات الاجتماعية ويمكن اعتبار انتشار التعليم وإكمال المرأة لمستويات عليا من التعليم احد أسباب تأخر زواجها والغريب إن ارتفاع مستوى المرأة علميا ومهنيا يؤثر في تأخر زواجها في مجتمعاتنا. إن الصراعات القومية والقبلية والعائلية تمثل أشكال أخرى لانتشار الظاهرة فعلى سبيل المثال حالات الزواج بين القوميات والديانات والمذاهب المختلفة في الوطن العربي تمثل حالات قليلة وأشرنا على جانب منها وهو زواج أبناء الطوائف في دراسة سابقة وهو سبب يؤدي لانتشار ظاهرة العنوسة أيضا بالإضافة إلى الغياب شبه الكلي لزواج أبناء القوميات المختلفة. 
أما  آثار العزوف عن الزواج وتأخره فتقول  الكاتبة لافا خالد أن تأخر سن الزواج والعزوف عنه يخلق أنواعاً أخرى من الزواج غير المعترف بها رسميا، مثل الزواج العرفي، و زواج المتعة، وزواج المسيار، وهذه الأنواع تقوض الأسرة وتفتح بوابة المشاكل بالإضافة إلى أن تأخر سن الزواج والعزوف عنه يفقد المجتمع الإحساس بالمشاعر والعواطف، ويصبح الفرد فيه كالآلة التي تتحول فيها نبضات القلب إلى مضخة تدفع بالدورة الدموية ليس أكثر وتساهم الظاهرة في تغير التركيبة السكانية للمجتمع وخلق فجوة بين الأجيال، فيصبح المجتمع مكوناً من أطفال و كهول أو شباب دون أطفال ثم شباب دون أطفال، وثمة تأثيرات نفسية على المرأة وكذلك الرجل وما يخلفه على السلوك والقرارات والاختيارات من جهة وكذلك تأثيراتها الاقتصادية وخفض معدلات إنتاجية الفرد في المجتمع.
ويرى الباحث الأردني عادل بدارنة عضو الهيئة الإدارية في جمعية العفاف الخيرية أن  هناك أبعاد اقتصادية تترتب على العنوسة مثل
1- تناقص عدد السكان: يؤدي ارتفاع حجم العنوسة إلى تقليل معدلات الإنجاب وبالتالي تناقص في عدد السكان على المدى البعيد. ولما كانت الأسرة هي وحدة البناء في المجتمعات السليمة، فان انخفاض أعداد الأسر نتيجة انخفاض أعداد المتزوجون سيؤدي إلى اضمحلال المجتمع وتناقصه وربما الاندثار، ولعل البعد الاقتصادي في هذا الجانب متشعب، فتناقص السكان يؤدي إلى تناقص حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى الإضرار بمصالح المنتجين نتيجة لذلك واضطرارهم للبحث عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتهم ، ويؤدي كذلك إلى انخفاض أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، والذي يعني ازدياد الطلب على عنصر العمل الذي يصاحبه ارتفاع حاد في الأجور، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي المساهمة في رفع الأسعار، كما أن تناقص أعداد الداخلين الجدد لسوق العمل له أبعاد أخرى وبالذات على أنظمة التأمينات الاجتماعية ،حيث تصبح معدلات الإنفاق على المنتفعين من أنظمة التأمينات الاجتماعية مرتفعا بالقياس إلى العوائد التأمينية بسبب انخفاض المساهمات الناجمة على تقلص عدد المشتركين الجدد.
2- زيادة التكاليف: ينجم عادة عن العنوسة أمراض وانحرافات سلوكية تصيب أفراد المجتمع منها، ازدياد الفساد، والأمراض النفسية، وانتشار الأمراض الجنسية، وما مرض فقد المناعة المكتسبة ( الإيدز) إلا واحد من أخطرها، ويعني ذلك ارتفاع تكاليف المعالجة لمثل هذه الأمراض، مما يحمل مؤسسات الدولة نفقات إضافية لدعم المؤسسات الصحية والاجتماعية والقضائية والتي تنشغل بإفرازات هذه الظاهرة.
3- انخفاض الإنتاج: نظرا للمعاناة النفسية التي يمر بها غير المتزوجين، ونظرا لانشغالهم بهذا الأمر فان ذلك يقلل من قدرة هؤلاء عل القيام بالعمل والإنتاج المتميز والسليم، وهو ما يمكن أن يقع ضمن مفهوم الهدر في الموارد البشرية.
4- الإنجاب في أعمار متأخرة وأبعاده الاقتصادية:
قد يصاحب العنوسة وتأخر السن عند الزواج بأن يكون هناك زواج من أعمار كبيرة تزيد عن العمر 30 سنة، وللزواج في مثل هذه الأعمار له اثر في الإنجاب حيث تزداد احتمالية أن يكون هناك مواليد ذات إعاقات معينة، كما أن نسبة الحمل تكون قد أخذت بالتناقص مما يعني البحث عن وسائل مختلفة للحمل مثل استعمال الهرمونات آو أطفال الأنابيب، وهذا الأمر له أبعاد اقتصادية في ارتفاع الكلفة.
المقترحات والحلول 
 في رأي العديد من الباحثين فانه لا يمكن القضاء كليا على هذه الظاهرة إلا أن بالإمكان الحد منها بشكل كبير إذا ما تم دارسة الأسباب بعناية, ليتم حينها وضع الحلول المناسبة, حيث تطرح الكاتبة لافا خالد عدة مقترحات من شأنها أن تحد من هذه الظاهرة:                   
1- خفض المهور:- إن ارتفاع المهور تمثل المشكلة الأولى التي تواجه الشاب حينما يفكر بالزواج ويمكن للجهات المسئولة أن تسن القوانين التي تحد أو تحدد من ارتفاعها وان قيام أي إجراء بهذا الاتجاه يصب في تطبيق الأحاديث النبوية التي أكدت على ضرورة عدم المغالاة في المهور حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم " أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة" 
2-قيام الحكومة بجملة إجراءات تشجيعية للمتزوجين فعلى سبيل المثال يمكن وضع قروض سهلة وتفضيلية للمتزوجين وكذلك المساهمة في جعل الأولية للمتزوجين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية.
3- إنشاء صندوق الزواج ودعم الدولة المادي لحفلات الزواج الجماعية مؤخرا بادرت بعض الفعاليات الاجتماعية إلى هذا النوع من الزواج لتخفيف أعباء الشباب حين الزواج وبالتالي فتح الباب أمام هكذا مساهمات تدفع الشباب للزواج وتقلل نسبة العنوسة 
4- تحمل وسائل الإعلام لدورها بتسليط الضوء على المشكلة ووضع الحلول العملية لها و نشر ثقافة الزواج وأهميته لتوفير الكثير من الاحتياجات الفطرية للنفس السوية بشكل سوي يتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية والأعراف السليمة.
5- تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للعانس خاصة إذا تعرضت لمشكلات مادية أو نفسية أو اجتماعية، مع مراعاة مشاعرها خاصة ومجتمعاتنا تعاني كثيراً من حساسية ظرف الفتاة التي تأخرت في الزواج والوضع هو أصعب بالنسبة لها حينما تكون دونما مورد مادي مستقل يقيها شر الأسئلة الكثيرة التي تؤثر على نفسيتها ومزاجها وحياتها عموماً. 
أمامجمع البحوث فوضعت حلولا تخص المجتمع العربي في محاولة للحد من هذه الظاهرة التي توسعت بشكل مرعب في الدول العربية حيث يرى انه     يوجد العديد من المقترحات التي يعتقد بأن لها دور هام وبارز في الحد من مشكلة العنوسة، والتي يجب أن تتظافر الجهود وعلى مختلف المستويات ابتداء من الفرد ومرورا بالأسرة وانتهاء بمؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، ولعل من أبرزها ما يلي:
1- أن يتم تجاوز المظاهر الاجتماعية الزائفة المصاحبة لعادات ومراسم حفلات الخطبة والزفاف التي يترتب عليها كلفة مالية مرتفعة مثل: الحفلات الباذخة، الملابس باهظة الثمن  وغيرها .
2- تقديم نماذج عملية من الميسورين عند تزويج أبنائهم وبناتهم، كأن يتبرعوا بتكاليف مثل هذه الحفلات إلى الأفراد الراغبين بالزواج ممن لا تسمح ظروفهم الاقتصادية إتمام زواجهم، ويمكن تنسيق ذلك من خلال جمعيا ت خيرية.
3- تقديم كافة أنواع الدعم للجمعيات الخيرية حتى تتمكن من تحقيق أهدافها في تيسير سبل الزواج في المجتمع .
4- تفعيل الفتوى الصادرة من مجموعة من علماء المسلمين والتي تجيز دفع أموال الزكاة للجمعيات الخيرية لأغراض الزواج.
5- تعميم فكرة حفلات الزفاف الجماعية على مختلف المناطق ، باعتبارها إحدى الوسائل العملية لدخل يمكنهم من إتمام زواجهم.
7- ايلاء الاهتمام بالأزواج الشابة وتقديم كافة أنواع العون والدعم لهم، مثل المساكن ذات الكلفة القليلة وتقديم القروض الحسنة الميسرة وغير ذلك من أبواب المساعدة.
و يرى بعض الباحثين انه في العشر سنوات القادمة سنجد في كل بيت عربي على الأقل عانس في حال عدم العمل على تطبيق الحلول التي يضعها  المختصون.