بقلم عبد الحي الرايس
في الْعَدِيدِ من المواقف المُسْتفِزَّة،
والأزماتِ الطارئة ثمة دَوْماً اختياران:
الأول وهو الأقربُ إلى الكثيرين أفراداً
ومسؤولين وحاكمين، وعادة ما يُمْلي مُقابلة عُنْفٍ بمثله وأقوى منه ليتغلب عليه، فإذا
وُوجِهَ بتصعيدٍ كان التمادي في رُدود الفعل لفظية أو حركية مُخلفاً نُدوباً وجروحاً
وصدماتٍ نفسية أو خسائرَ مادية.
أما الاختيار الثاني فيستدعي تَرَوِّياً
وتحكُّماً في المزاج، واحتكاماً إلى العقل والحكمة قبل التسرُّع بِرَدِّ فعل أو اتخاذِ
قرار انسياقاً مع الانفعال.
وكم تكونُ نتائجُهُ طيبة مُهدِّئة ومُنْجِيَة
من الخسائر والصدمات، وسَلْبِيِّ المُخلَّفات
يَحدُث هذا للزوج مع زوجته، والأب مع أبنائه،
والرئيس مع مرؤوسيه، والحاكم مع محكوميه
وحتى حَادُّو المزاج، سَرِيعُو الانفعال
لو جرَّبوا في المواقف المتشابهة الانسياقَ مع الاختيار الأول، أو إيثارَ الاختيار
الثاني لَلَمَسُوا الْبَوْنَ الشاسِعَ بين المخلفات السلبية للأول، والنتائج الطيبة
للثاني
وفي ذلك تَحْضُرُ أحاديثُ نبي الإسلام،
ووصايا لقمان، وسيرة الساسة الحكماء.
وقد دخل التاريخ من بابه الواسع ملك بلد
تعالت فيه الأصوات مطالبة بالتصحيح، فعجَّلَ بِمُهدِّئِ الخطاب، مُرْدِفاً إيَّاهُ بجديدِ التشريع.
حتى إذا حَلَّتِ الجائحة مُلْزِمَةً بالديار،
مُجمِّدَة للأرْزاق، مُلْهِبَةً للأعصاب، باعثة على كل توتر وشعور بالإحباط.
لمْ يُجْدِ معها غيرُ تبَصُّر التبِعات،
والتحسُّب للمضاعفات، فكان القرار تلو القرار، مُتلمِّساً الوقاية، مُتفادياً الارتجال،
واقيا من تفاقم الأخطار.
وفي ثنايا الأزمة ـ وقد كشفت ما كشفت من
ثغرات، وأبانت عما أبانت من فوارقَ ومُعوِّقات ـ يلُوحُ التحدي ويتجددُ السؤال : هل
سيستمر التعاملُ مع اللحظة، وتكريسُ عوامل الأزمة ؟ أم ستكون الصحوة، والإصغاءُ إلى
صوت الحكمة ؟ فيكون تقويمُ المسار، والأخذُ بأسباب النماء؟
ويظل الاختيار الثاني مُتعِباً، مُكلِّفاً،
ولكنه دوْماً هَادٍ إلى أقْوَم سَبيل، عنوانُ رُشْدٍ، ومُحققٌ للرَّشاد.