عبد الحي الرايس
أولئك الذين استوعبُوا
جيداً درس "كورونا" فتمثلوا ما دهاهم في الواقع الحالي، واستحضروا أوبئة
الماضي، ورصدُوا ما طرأ على المشهد البيئي من مظاهر التعافي، وتحسَّبُوا للآتي، فلم
ينْغلقُوا على أنفسهم، ولم يُطيلُوا التردُّدَ والانتظار، ولم يَلوذُوا بالتسْويف والإرجاء.
وإنما سارعوا إلى
الأخذ بأسباب التعافي، فأطلقوا المبادرة تلو الأخرى تقويةً للمناعة، وإقداراً على التصدي
للجائحة.
عجَّلُوا باسْتيفاء
تجهيز المستشفيات حتى لا تشكُوَ من أي خصاص، وقرَّرُوا في المدن تسريع تعميم مسالك
الدراجات حداً من الانبعاثات، وتحفيزاً على نَقِيِّ التنقلات، والمُضيَّ في الارتقاء
بالنقل الحضري تفعيلاً لحكمة مُسْتخلَصَة: "مِعْيارُ تقدُّمِ بَلَدٍ ما ليس في
أنْ يمتلكَ بُسطاؤه سيارات، ولكن في أن يستعمل أغنياؤه النقل العمومي"، وإطلاق
مبادراتِ اعتماد الطاقة المتجددة محل الأحفورية حتى في وسائل التنقلات الجوية والبحرية،
وراهنوا على نشر حدائق القرب، وتشجيع العائلات على إنجاح الزراعة الحضرية بإنتاج حاجياتها
الغذائية، وفي الإدارة على ترجيح التعاملات الرقميةِ على الورقية، وفي العمل والتعليم
على تطوير مهاراتِ التواصل واستكمال التكوين عن بُعد تعزيزاً للعمل في الميْدان.
ما بعد الجائحة
ينبغي أن يكون مُغايراً لما قبلها، وتدبيرُ الآتي يتعين أن ينضج ويتقرر من قلب المعاناةِ
والحَجْر الآني.
والمقررون يُفترضُ
فيهم أن ينبثقوا من رحم المعاناة، ممن تجردوا عن المصالح، وزهدوا في المواقع، وصار
شغلهم الشاغل جلب المنافع للمجتمع الطامح، وتأهيله لدَرْءِ المخاطر، وارتيادِ كل أفق
واعد.