بقلم ابراهيم فارح
هي مرة من المرات
التي أجد فيها قلمي جافا، أتوسل مداده، وأستجديه ليحاول رثاء رجل يتهيب الكثير من الحديث
عنه.
في يوم الجمعة
29 ماي 2020 توفي عبد الرحمان اليوسفي، وقع الخبر كان مؤلما كأشد ما يكون الألم والوجع،
نعلم أننا لا نموت بفقدان من نحب، ولكننا ننكسر كسرا موجعا، وكم هو غائر جرح الروح
يا زعيم، في قلوبنا لك صورة تزهو على كل الصور، لقد غادرتنا ولكن لم تغادر قلوبنا وأرواحنا.
نعم، اليوم بمشاعر
عميقة مليئة بالحسرة والألم، لا نرثي رجلا عاديا، أو شخصا عابرا، بل أحد فخار هذا الوطن
المترامي الأطراف، بل رمزا من رموز الأمة من المحيط إلى المحيط.
عبد الرحمن اليوسفي
ليس ككل الرجال، فما خلفه الرجل في سجل حياته المضيء تتقاطر من صفحاته كل صور العطاء
والإبداع، لا يضاهيه فيها إلا قليل من الزعماء والسياسيين وقادة الأمة، بالغي التفرد
والتميز في عصر المغرب الحديث.
أهمية ودور عبد الرحمن
اليوسفي لا تنبع من مواقعه الهامة التي تقلدها، كوزير أول لحكومة التناوب، في حقبة
تاريخية حرجة من تاريخ المغرب، فتجربته ليست كأي تجربة، فقد واجه مصاعب وعقبات لا حصر
لها، وتسلح بكل أشكال القوة والعزم والصبر والثبات في وجه المحن والتحديات، ورغم ذلك
فقد امتلك رجل الفكر والسياسة مرونة دبلوماسية مدهشة صقلتها الخطوب والتجارب والخبرات،
ليشكل شخصية بديعة ذات ملامح متكاملة، توجت بكاريزما ذاتية وحضور لافت لا يختلف في
جدارتها وأهليتها أحد، عدوا كان أو رفيق.
فقد المغرب برحيل
عبد الرحمن رمزا من اوفى و اصلب و اكبر رموزه في العصر الحديث، رمز سيشهد التاريخ بين
دفتي كتابه بفضل السبق في إيقاف نزيف المغرب، و إعادته الى قاطرة الحياة من جديد بعد
ما أقحم قسرا في غيابات الموت و الجمود عقودا من الزمن، و إعادة برمجة موقعه في الحياة
الطبيعية اثر عقود من الضياع السياسي و الحضاري و اللهاث وراء السراب.
رحل عبد الرحمن الرجل
الذي آمن بقضية الوطن و الشعب و خلف وراءه مسار حياته العامرة، و تاريخه الحافل الذي
لم يعرف يوما معنى التردد و التراجع او الركوع و الانكسار.