بقلم الأستاذ حميد
طولست
يموت العظماء فلا
يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله ، و يبقى ذكراهم على الأرض ، حية
قوية ، ونورا ساطعا يهدي ، وعطرا فواحا ينعش
، وآثارا مشهودة تنفع ، وأعمالا جليلة تُحتذى ، وأفكارا نيرة يُهتدى بها ، وتلك هي
العظمة ، وذاك هو الخلود ، وذانك هو ما يخلفه العظماء من أمجاد يُعتز ويُفخر بها ،
كما قال الشاعر:
المرء بعد الموت
أحدوثة … يفنى وتبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال
امرئ … تطيب بعد الموت أخبــــــــاره
غادرنا آخر الوطنين
العظام والمناضلين الكبار ، رحل السي عبد الرحمان اليوسفي قبل أن تكتحل عيناه بما كان
يتمناه لهذا الوطن ، الذي كان من أكبر رجالاته ، رحل قبل أن يتحقق ما صبا إليه ورغب
فيه له ، من ديمقراطية حقة في زمن باتت فيه الخيانة عبارة عن وجهة نظر لدى البعض ،
وأصبح فيه التنازل عن المبادئ تعبيرا عن حسن النوايا والرغبة في تحقيق التوافق
....
لقد ترجل المواطن
الاستثنائي ، والوطني الاستثنائي ، والمناضل الاستثنائي والحزبي الاستثنائي ، والسياسي
الاستثنائي من على فرس النضال في وقت ما زلنا بأشد الحاجة إليك ، خاصة أن الاستثنائيين أمثالك قليلون ولا يعوضون
..
ولا أخال نفسي مسرفاً
إن اشتهيت أن يتذوقَ الناس وسامة أوصافك ، وصدق أقوالك ، وتميز أفعالك ، حتى يعلموا
مقدار ما خسرت الحزبية من مناقب النضال ، وليعرفوا ما فقده الوطن بفقدكم من ذاكرة وطنية
، جديرة بالاحترام والتقير ، وما خسره الذين عرفوك عن قرب وتعلموا الكثير أثناء مزاملتهم
لك ، وشرفوا بتسجيل أسمائهم معك في سجل وأصداء نضالاتك التي تستحق منا جميعا أن نؤلف
فيها وعنها كتبا ترصد وتتحدث عن مسيراتك النضالية ، التي تستحق عليها وعن جدارة ، أن
يقام لك تماثيل ، تليق بنضالاتك وتضحياتك ، في رحاب كل مقرات حزب الاتحاد الاشتراكي
وفي مدخل مقر البرلمان .
عزاؤنا في رحيلك
أيها المناضل الصلب الذي خسرت الحزبية الحقة والصحافة الديمقراطية بوفاتك أحد أبرز
عناصر النقاء الثوري ، هو فيما ادخرت عند ربك مما قدمت يداك من باقيات النضال من اجل
المستضعفين ، وصالحات الدفاع عن المغتصب حقوقهم ، الذين كنت لهم صوتا صارخا بأوجاعِهم
ولواعجهم ، تسأل وتشكو وتحرض ، تلوم وتلسع بكلمِ نافذ عبقري لا يتوقف عن فتح كوات الأمل
والتبصير بواقع الحال العصيب ، وأعظم عزاء لنا فيك هو التزام أصدقاؤك ومحبوك السير
على خطاك وانتهاج وتكريس أفكارك وممارساتك وسلوكياتك التي تدفع بي لأقول في حقك ، بعد قول رب العالمين
الذي : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي
جنتي" ، أنك تركت برحيلك فراغا في النقاء والزهد والوفاء والتواضع والالتزام من
الصعب أن يملأه غيرك بعدك ، لقد خسرناك بحق ومن الصعب تعويضك
و لا حول ولا قوة
إلا بالله العظيم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..