بقلم .. عبد الحي الرايس
قِفْ ..تَمَهَّلْ...فمدينة الْغَدِ لنْ
تكونَ بِحَالٍ كمدينة الأمْس، وما كان يَبْدُو اختياراً في بعض مدن شمال المعْمُور
أضحى ضرورة واضطراراً في كل مدينةٍ تُراهن على الحدِّ من الانبعاثات، وتفاقُم عدْوى
الأوبئة، واختناقات المرور.
ولِصَيْرُورَةِ الكوْن محطاتٌ فارقة، والتاريخُ
حافلٌ بالأمثلة والشواهد على التحولات الطارئة، بعد الحروب والأوْبئة.
وإذا كان جائزاً في مرحلة ما قبل"كورونا"
التزاحُمُ في الحافلات، وكثافةُ السير على الطرقات، بكل ما يَصْحَبُ ذلك من تصاعُدِ
الغازات، والمخاطر والآفات، إضافة إلى تِلْقائِيِّ العادات من تصافُحٍ وعناق، وتراصٍّ
في المهرجاناتِ والحفلات.
فإن ما بعد "كورونا" ـ وقد صارتْ
وَبَاءً حاضراً وعَدُوّاً مُقيماً يتحيَّنُ الفرصة للتسلل والانتشارـ يَسْتدْعِي تقاليدَ
مُحْدثة في الْعَيْش، وأنماطاً جديدة في التنقل والسيْر.
وما كان بالأمْس مَطْلَباً يُدْرَجُ في
محطةِ انتظار، صار اليومَ أوْلويَّة لا تقبلُ التسْويفَ والإرْجاء.
فمراكزُ المُدن بشوارعها وأزقتها مَدْعوَّة
لأن ينتفي فيها التنقلُ بالمركباتِ المزدحمةِ بالرُّكاب، والملوثةِ للأجواء، لتُعَوَّضَ
بأساليب التنقل الناعم، ووسائل النقل النظيف: حافلة كهربائية، وترامواي، ودراجاتٌ ذواتُ
عجلتيْن هوائية وكهربائية، وتَعَوُّدٌ على المشي لقطع المسافات غير البعيدة، أو لاِسْتعمال
وسائلِ التنقلِ المُحْدَثةِ البسيطة.
وإطلالةٌ على مدنٍ في شمال الأرض تَغُصُّ
بوسائل النقل العمومي والدراجات ، ومُدن أخرى تنافس بعضها، وتتجاوزُ ذاتها في تعميم
وسائل النقل النظيف، ومَدِّ مسالك الدراجات، والتحفيز على التنقل بها في كل الاتجاهات،
ومَرْأى الوزراء وهم يتنقلون عليها لحضور الاجتماعات، والأمهات وهن يحملن بناتهن للمؤسسات،
ثم يقصدن عملهن في ضبطٍ للأوقات.
بل إن بعض دُوَلِ الشمال أعْلنتْ ـ أثناءَ
المُعاناة مع الجائحة ـ عن رَصْدِ اعتماداتٍ لتعْمِيم مَسَالك الدرَّاجات، تخفيفاً
من الانبعاثات، ومن التزاحمِ على الناقلات، والضغْط ِعلى الطرقات.
كلُّ ذلك يُقيمُ الدليلَ على إمكان ذلك،
ويُعْطي النموذجَ لِوَعْيٍ وسَبْقٍ يبْعثان على المحاكاةِ والاستلهام.
إذْ لم يَعُدْ ثمة مجالٌ لِلتَّرَدُّدِ وإطالةِ الاِنتظار.