adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/05/31 - 1:06 م

بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق الجزائر
تصادف في حياتك اليومية الكثير من النماذج البشرية غريبة الأطوار، وفي بعض المرات تجد نفسك مُسلطا عليها تلك النظريات المتعارف عليها والمناهج المعتمدة على التحليل والشك، قصد الوصول إلى الحقيقة.
وكأن بك تستخدم جهاز «سكانير» حادا للحفر في الذات البشرية، من أجل أن يشخص لك كل سريرة دفينة وكل مكبوت فاعل وفعّال، لكنه غير مرئي طبعا، وهو ما يُطلق عليه «اللاوعي المتحكم في الفكر والسلوك»، فتخلص بأنه العقل الخرافي الذي يضع الكثير من التقاليد السلبية أمامك كي تقوده، وهو من ينسبها للدين دوما من دون استحضار واستعمال العقل العلمي، ويؤهلها في مقام الحاكم الآمر.
الأصل أن الدين بريء من هذه الأحكام الجزافية براءة تامة، بل بالعكس، هناك العشرات من الآيات الدالة على تحكيم البصر والتدبر، وأخذ العبر من حوادث عشناها أو عاشها غيرنا، كذلك هناك أمور مسلّم بها تحدث للإنسان وفي يومياته العادية، متعلقة بحركيته ونشاطه؛ لأن البشر معرض لجميع الشرور والأخطار، وجميع متناقضات الحياة ومفاجآتها.
لكن هذا للعقل النمطي الذي أشرنا إليه لا يزال متشبثا بإرجاع وإعادة كل الحوادث، بجميلها و قبيحها إلى مفهوميّ الحسد والعين، حتى وأن العين حق كما جاء في الأحاديث حق، وأن كل ذي نعمة محسود، ولكن لا يمكن وضعها كفزاعة من أجل أن يحرم المرء نفسه من عدة امتيازات وحاجات ضرورية؛ فتجد الأفراد لا يلبسون الأحسن والجديد مثلا، خشية العين ولا يكسبون السيارة الفاخرة والمنزل العصري، ولا يتوقون نحو إحراز وتحقيق نجاحات كبرى في حياتهم، خشية أن يصابوا من طرف الحساد، وبالتالي فهم سيظلون يراوحون مكانهم، تحت سلطة البالي والرث القديم.
ويتشبثون بكل ما هو موجود ولا مناص لهم من التغيير والاستبدال، إلى غاية أن تجيء تلك الأحكام وتنعتهم بأنهم كائنات غير قابلة للتوجه نحو الأفضل، تضعهم في مصاف النماذج الحية والباحثة دوما عن تحسين أحوالها.
لقد عانى المجتمع العربي، وخاصة الجزائري، من سلطة التقاليد التي تم إلصاقها وحسابها على أنها من الشرع، وهي كما قلنا لا تتوافق أو تتناسق مع المنطق والعلم، وبالتالي ظل يدفع الضريبة تلو الأخرى في مسائل حساسة متعلقة بعيشه الكريم، لا لشيء إلا لافتقاده الأدوات العلمية التحليلية، والتي زجّ بها كليا، ليترك الفرصة للفكر الغيبي في أن يسيّر شؤونه.
وتعد هذه الظاهرة أكبر معضلة يواجه خطرها العقل العربي الإنساني، وقـد رأينا في أمم أخرى كيف استطاعوا أن ينزعوا ويتخلصوا من براثن التفسيرات الميتافيزيقية للوقائع والأحداث، من دون إهمال الجوانب العقيدية والدينية طبعا، المتعلقة بالعبادات وبعض الطقوس والأعياد التي تدخل في الخصوصيات المتوارثة. اليوم صار هذا الفرد يتخبط بين جدلية الإبراز والكتمان، فهو إن كتم محاسنه وبعض الواجبات، عاش في صراع بينه وبين ذاته وضميره، وإن حاول إبرازها، أرجع إخفاقاته فيها إلى الحسد والعين.
وهنا يكون قد أضاع الكثير من المكاسب التي تجني عليه الخبرات والتطورات، أهمها العلم والتقدم المادي، الذي يعود على صاحبه بالقفز دوما نحو الأفضل والاكتشاف وإن تجنب هذا وتحاشاه، صار طبعا كائنا يجتر ويكرر نفسه، ونسخة من أقرانه الذين ما فهموا الحياة ولا دورهم فيها كفاعلين أساسيين.