بقلم حميد طولست
ليس وباء كورونا
هو المصيبة الكارثية الأولى التي عرفها المغرب عبر تاريخ النوائب والخطوب التي مرت
عليه، والتي لاتزال ذاكرته الجمعية وتراثه الشعبي يزخران بكمّ هائل من ذكريات معاناة
مواطنيه معها ومع ما خلفته من أزمات اجتماعية واقتصادية أدت في معظمها إلى هلاك مئات
الآلاف من الأرواح ، وتركت بنفوس من تبقى آثارا نفسية عميقة طبعت عقلياتهم ووعيهم بالعديد
من صور المآسي المريرة المرتبطة بحقب البؤس والجوع والتردي الاقتصادي والصحي التي لازالت
محفورة في الذاكرت على شكل أمثال وأزجال وأغاني شعبية وقصص وحكايات ومسميات تراثية،
حَقَّبَت لتواريخ الفواجع والأوبئة التي تعاقبت على البلاد والعباد قبل عقود كــ :
"عام الجوع "و"عام البون" و "عام يرني " و"عام
لحفا ولعرا" وو... ، وارخت للأمراض التي رافقتها بمسميات إستقّت أنذاك من تسمياتها
بالفرنسية ، مع بعض التحريف والتحوير الذي خالطها عند تداولها في الأوساط غير المتعلمة
، كما هو حال "التيفوس" التيفويد بالفرنسية، الذي اعتاد الرجل المغربي البسيط يدعو به على غيره ، كما فعل مع وباء "الكوليرا"
التي سماها بـــ "بوكليب" لأن الذي
المصابون به كانوا يتساقطون صرعى على الأرض ، وغيرها من الأمراض والأوبئة التي كان
الناس يدعون بها ويطلبون -في حال الغضب- بأن ينزل الله على غيرهم : "بونتاف " و"نوابا" و"لامر
لحمر" و"الموت لكحل" و "بوبو" الذي سمي به الطاعون الدبلي
أو الدملي، الذي يصيب الموبوء به بانتفاخات خطيرة تشوه خلقته وتحولها إلى مسخ مخيف
، جعل الناس يخوفون به أطفالهم بــ"بوبو" الذي تحول إلى "بوعو"
، حسب لهجات المناطق ، حيث كان يقال للأطفال على سبيل المثال: "ها بوبو جاي يكلكم"
أو "براكا من لبسالة ولا نعيط لبوعو" دون علم منهم بأن "بوبو أو بوعو" هو الطاعون الدبلي أو الدملي أخطر الأوبئة التي
اعتبر العوام ضراوتها التي زعزعت كيانهم الاجتماعية الاقتصادية والديموغرافية ، عقابا
إلهيا، دفع بهم عجز مواجهته -الذي شكل مند أول الزمن سيفا مسلطا على العقل البشري
- إلى ابتكار عددا من الطقوس الأسطورية المحيّرة
المنسوبة للدين، كوسيلة لاتقاء شرها ، والتي منها على سبيل المثال: اللجوء للأضرحة
والزوايا للتضرع وتقديم القرابين للمدفونين بها من الموتى ، وصلاة الاستسقاء وغيرها
من الطقوس التي لازالت ممارستها مستمرة إلى اليوم
، والتي تم تجريب بعضها في مواجهة جائحة كورونا.