بقلم الاستاذ حميد
طولست
لم أكن أرغب في
الكتابة عن مسيرة الرباط التضامنية مع فلسطين ، التي كنت وغيري كثير من المتتبعين ،
ننتظر أن تكون من أكبر التظاهرات التي عرفتها حركة التظاهرات المساندة لفلسطين بالمغرب،
وأكثرها إتّساعا ، وأفضلها تنظيما وسلمية، وأعظمها زخما من حيث المحتجين والشعارات
الأكثر إقلاقا للمسؤولين ، والأقدر خلقا لوعي جماعي عام ضاغط تجاه القضايا المتظاهر
من أجلها ، لحساسية ظرفيتها، لكني فوجئت كما غيري ، أنها جاءت مع الأسف ، على نفس وثيرة
المتوارثة لكل التظاهرات المنظمة للدفاع على حقوق فلسطين ، دون أن تخرج عن شعاراتها
البالية ، المناقضة لما خرج عليه ، التي بقيت على حالها البليد، ولم تراوح سذاجة شكلها
، التي لا يعبر عن جوهر رغبات المتظاهرين ، ولا يساير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والثقافية للجهة المتضامن معها ، ولم تفارق ضحالة أسلوبها التعويمي ، المرتكز
على شغل الشعب بلغط المسائل التي لا مقام لمقالها
، وتصرف أنظار الناس عن نبل مقاصدها وثراء دلالاتها ومجالاتها ، الأسلوب الذي اعتاد
على اتباعه المنظمون في كل تظاهراتهم ، للإساءة لرموز وقادة بعض الدول العربية ، والتي
شاهدها وسمعها "العادي والبادي"
من خلال الفيديهات التي أديعت على نطاق واسع عبر المواقع الالكترونية ، والتي
تعامل معها التوجه العام للشعب المغربي بالرفض وعدم المشاركة ، ليس لكون المغاربة ضد
التضامن مع الشعب الفلسطيني ، لكن لأنهم ضد فوضى التدخل السافر والمجاني في السياسات
الداخلية لغيرنا من الشعوب والدول ، وتعمد استفزازها بافتعال المشاكل الوهمية المناقضة
لما خرج عليه المتظاهرون ، وباختلاق الانتقادات
التافهة ، والإتهامات الحقيرة والمثيرة للسخرية
، التي تخدم أجندات معينة وأهداف سياسوية يوظف فيها الدين للترويج لركام الأفكار الطائفية
الخاطئة المحرفة ، والمعتقدات القومية المنحرفة غير السلمية ، التي لا يصدقها و لا
يسلم بها غير البسطاء الذين يسهل تضبيعهم وتحويلهم إلى ببغاوات تكرر ببلاهة ترهات الشعارات
الكاذبة ، الفاتحة لكل أبواب الرد بالمثل أو بأشد ، ذات الأثر السلبي على الروابط الإنسانية
بين البلدان والشعوب ،ويعرض علاقات الخوية إلى المنعطفات المسدودة التي تحدث القطيعة
وتنشر العداوة والبغضاء .
الأمر الذي رفع
منسوب حالة اليأس والإحباط ووسع رقعة السلبية لدى من ركبوا قافلة التظاهرة ، وأفقدها
مشروعيتها ، وقلص من تأييد الجماهير لها ، وأختم بالمقولة الشائعة :" من عاب الناس
عابوه" . وبقول الشاعر:
لسانك لا تذكر
به عورة امرئ ** فكلك عورات و للناس ألسن
وعينك إن أبدت
إليك معايباً **فصنها و قل يا عين للناس أعين.