بقلم حميد طولست
فشل محمد علي في
بث الفتنة في مصر، نمودجا.
لو استعرضنا الانفجار
الهائل الحاصل في عالم الكومبيوتر وتقنياته ، خلال القرن الماضي ، وتتبعنا تأثير تطوراته
التكنولوجية المتسارعة على عوالم المعلومات عبر وسائل الإعلام ونظم الاتصالات ، والتي
تضاعفت معها إمكانيات تضليل المتلقي وغسل دماغه ، وخداع وعيه أضعافا مضاعفة ، لأدركنا
مدى سهولة صناعة وقائع غير موجودة وقلبها الى حقائق ومسلمات ،بإمكانها تغيير القناعات ، والتشكيك في المبادء
الوطنية والمعتقدات والمجتمعية وشرعية القضايا المصيرية ، وخلخلة إيمان النفوس ، وجعلها
تكذب الصادق، وتصدق الكاذب ، ولأدركنا كذلك ما أهمية تأسيس جهات رقابية إعلامية متخصصة
في التعرف على الأخبار المفبركة والشائعات الكاذبة ، والمتدفقة عبر وسائل الإعلام والمواقع
الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي ، لتحقيق مصالح جهات بعينها ، ولتأكدنا من جدوى
ضرورة ايجاد مؤسسات خاصة لمواجة وكبح ودحض الفبركة الاعلامية التي أصبحت أسلوب حياة
لبعض المؤسسات الإعلامية والصحفية المتاجرة ، المتخصصة في الدعاية الكاذبة والتضليلية
الخادعة لوعي المتلقي ، بما تفبركه من أخبار وريبورتاجات، وأشرطة وثائقية على المقاس
، وشهادات الرأي العام المدفوعة الثمن ، وغير ذلك من الممارسات اللاأخلاقية التي يستدعيها
تضليل الرأي العام وضرب وعيه المجتمعي ، بغية إقناعه بتقبل ما يدبر له من مكائد ، الهدف
والغاية التي فشل "مقاول الجيش"
في تحقيقها بنداءاته المحرضة على الخروج لزعزعة استقرار الشعب المصري، والنيل
من رئيسه وقيادات جيشه -الذي رفض الجيش إسناد مشروعاته لشركة "أملاك" للمقاولات،
عبر الأمر المباشر دون مناقصات - وذلك رغم زخم فيديوهاته وما واكبها من دعم ومساندة
لامحدودة ، عكفت عليها اللجان الإلكترونية الإخوانية بكل ما أوتيت من امكانيات فرعونية
لفبركة الأخبار المزورة واختلاق القصص الوهمية والفيديوهات المزعومة لمظاهرات قديمة
تعود لأحداث سابقة ، للتشوية والتشكيك فى وطنية المصريين ، وتحريضهم على العنف والتخريب
، الذي قابله المصريون بيقظة كبيرة ووعي مرتفع ، جسدتها الخرجة الحاشدة في عموم البلاد
، المؤيدة لرئيسهم ، والمنادية باستقرار بلادهم ، والمنددة بأكاذيب خصومهم، والمرفقة
بحملات تهكم وسخرية لاذعة ، كانت بمثابة صفعة مدوية ونكسة بينة ، أربكت المسؤولين على
قنوات الفتنة ، وشلت مفعول ما تبثه من أكاذيب وتزييف الحقائق ،وفضحت مدى ضحالة تفكير
الساهرين على ترويحها ، وسداجة أسلوب إدارتها ، وهشاشة مستوى تكوين الكيانات المستعملة
في تطبيقها ، والمستغلة في تحقيق غايتاها ، أمثال "هبنقة*" "مقاول الجيش"
الذي أُلبس جبة النضال من أجل الشعب ، بعد أن فشل في الحفاظ على ما كومه من ثروات ،
وأخفق في استرجاع ما ألف من رفاه ، وما استساغ من غنى فاحش ، وما استمرأ من أبهة وفخامة
، والتي ترك من أجلها ما يجيد ، لإفتعال ما لا يجيد ، فلم يفلح في كلا الأمرين وظل
عالقا في المنتصف ، لا يستطيع الرجوع لما كان عليه ، ولا المضي قدمًا فيما صار فيه
، فكان في ذلك "كغراب البين ضيع المشيتين" أو كـــ "بلارج اللي جا يداوي
ولدو عماه" ، وإنطبق عليه المثل الغربي
الدارج :"جارها وجلس عليها" والمقولة الشهيرة "على الباغي تدور الدوائر"
والتي أقرها سبحانه تعالى في قوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ
عَلَى أَنْفُسِكُمْ " (يونس:23) ، وأختم بمال يقال في مثل هذه المناسبة :
"رب ضارة نافعة" ..
*هوامس: هبنقة
من الشخصيات التاريخية التراثية كجحا وأشعب ، ويقال أن اسمه الحقيقي هو يزيد بن ثروان
القيسي الملقب بـ"ذو الودعات" من بني
قيس بن ثعلبة ، وكان يضرب به المثل في من تجاوز حدود الحمق وفقد الإدراك والوعي
المنطقي ، فيقال عنخ في المثل العربية:"أحمق من هبنقة"..