بقلم الأستاذعبد
الغني فرحتي
تعرف مختلف المدن
المغربية امتدادا عمرانيا متزايدا بفعل زيادة النمو الديموغرافي و زحف الهجرة القروية
خاصة مع توالي سنوات الجفاف خلال عقد ثمانينيات القرن الماضي . والمسجل أن السلطات
العمومية مواكبة لهذا الامتداد ، حرصت على وضع تصاميم تهيئة استباقية ، لكن ورغم الجهود
الجبارة المبذولة في هذا الشأن، فإن ذلك لم يمنع من ظهور اختلالات كبرى أثرت سلبا على
مظهر الحواضر ورونقها سواء ما تعلق باستنبات أحياء يعمها البناء العشوائي أو ما تعلق
بالتجاوزات الكبيرة التي تهم عدم الالتزام بتصاميم التهيئة بسبب ضغط لوبيات العقار
ومن يتواطأ معها.
هنا نستحضر فكرة
جد معــبرة كان السوسيولوجي المغربي المرحوم مـحمد جســوس قد أشار إليـها ومضمونها
أن طموح المغرب غداة الاستقلال كان هو " تمدين القرى والأرياف " لكن بعد
عقود من الزمن صرنا نصطدم بالنقيض " ترييف المدن ". فمن يتحمل مسؤولية ظهور
أحياء مترامية الأطراف من البناء العشوائي؟ ما الذي جعل أحياء مهيكلة مضبوطة التصاميم
تسقط هي الأخرى في العشوائية؟ (قطع مخصصة حسب التصاميم الرسمية لطابقين أصبحت بخمس
أو ست طوابق)، بل حتي في المركبات السكنية التي تشرف عليها شركات كبرى، امتدت استثماراتها
حتي خارج الوطن، نجد بنايات مغشوشة؟ لماذا آخر ما يفكر فيه في هذه المركبات هو المســـاحات
الخــضراء والمرافق العمومية والمراكز الثقافية والتربوية ؟
مقاربة هذا الإشكال
يتطلب الحديث المستفيض ، لكن نشير فقط إلى أنه من العوامل التي أفرزت مثل هذا الوضع،
في نظري نجد ضعف التكوين والخبرة لدى المنتخبين من جهة والتباطؤ الذي تعرفه المصادقة
على تصاميم التهيئة من طرف سلطات الوصاية. هذه السلطات التي لاتزال تحتفظ بل وأحيانا
تقوي من وصايتها لعدة أسباب منها أن الأحزاب، نتيجة شيخوختها وغياب الديموقراطية الداخلية
وانتشار مظاهر الفساد فيها، لم تعد تفرز منتخبين ذوي كفاءات أو على الأقل يتحلون بفضيلة
الإنصات للكفاءات. الأمر الذي يجعلهم يسقطون في أخطاء عمرانية خطيرة، عن خطأ حينا،
" و عن قصد " في أحيان كثيرة، لإرضاء لوبيات العقار التي لا تفكر إلا في
الاغتناء السريع دون إبداء أي حس وطني، مستغلة ضعف المراقبة واستشراء الفساد بالإدارة.
أمثلة كثيرة تؤكد بالملموس الفارق المهول بين التصاميم
الموضوعة في الأصل والملتزمة بالشروط المحددة في تصاميم التهيئة المصادق عليها من طرف
سلطات الوصاية وبين الواقع الفعلي. يحضرني هنا مثالا يتعلق بحي نرجس بفاس. لقد راج
أن التصميم الأصلي خلال مؤتمر إفريقي يتعلق بالسكنى، كان قد فاز بجائزة دولية، نظرا
لقيمته واحترامه للمعايير المعمارية. كان التصميم في الأصل، يضم الكثير من المساحات
الخضراء، مساحات تحول العديد منها ، بقدرة "قادر" إلى عمارات بأربعة طوابق
تغيب فيها شروط السكن اللائق.
كان من نتائج ذلك،
أن صار الحي، يعاني من اكتظاظ مهول وتحولت
دروبه إلى أسواق دائمة تحتل الملك العام، مع ما يرافق ذلك من انتشار للفوضى
والجريمة وانخفاض مريع في القيمة العقارية للشقق. من دون شك لم يكن ذلك ليقع لولا خضوع
المشرفين على تنفيذ تصاميم التهيئة للوبيات العقار وتواطئها معها، لوبيات قادها ضعف
الحكامة لدى المنتخبين والسلطات إلى أن تدخل غمار السياسة، و"تقتني " المظلة
السياسية من الأحزاب للوصول إلى مراكز ومناصب، توفر لها "الحماية ".