بقلم الاستاذ حميد
طولست
المخادع يستطيع
خداع بعض الناس لبعض الوقت، لكنه لن يستطيع خداع كل الناس كل الوقت، لكنه من الطبيعي
والعادي أن ينجر بعض المواطنين المغاربة الطيبين للتصديق والتصفيق لمبادرة تأسيس
"جبهة" للدفاع عن اللغة العربية – رغم إيمانهم بصديقة الحديث الشريف :
"لا يلدغ المؤمن من التعريب مرتين"
المحذر من الانخداع بمن تكررت إساءته، لتطلعهم لتطوير اللغة العربية ورغبتهم
في الارتقاء بمستواها ، وسيتبادر إلى أذهانهم بأن المبادرة تسعى لانتشالها من الإستصغار
والاحتقار الذي فرضه عليها أهلها قبل الغرباء، ويعتقدون أن قلوب مؤسسيها متعلقة بالعربية
وتهواها أفئدتهم ، إلى درجة يفرضون التحدّث في بيوتهم ومع أزواجهم وأطفالهم بلغة الكتب
الكلاسيكيّة للأدب العربي ، أكثر من أهلها من عرب الجزيرة موطنها الأصلي ، الذين لا
يتكلمون إلا لغة السّوق، والغضب، والضحك، والتّنكيت، والجوع، والمرض، ورعي الإبل البعيدة
عن بلاغة الجاحظ وابن المقفع والثّعالبي وابن قتيبة وشعر امرؤ القيس وخطب بني ذبيان
.
ولاريب كذلك أن
العديد من المواطنين البسطاء الخيرين ، سيظنون لطيبتهم أن مؤسسي هذه "اللجنة"
يرسلون أبناءهم للمدارس العمومية لتعلم إعراب الفاعل والمفعول به والنّعت والحال والمفعول
المطلق وكل ما تعلق بقواعد الجزم والنّفي والنّهي والشّرط وجواب الشّرط ، بدلا من ثانوية
ديكارت (ليسي ديكارت) التابعة للبعثات الفرنسية بالرباط ، وجامعة الأخوين التابعة للنظام
الدراسي الأمريكي بإفران ، كما هو حال غالبية أبناء علية القوم والمسؤولين من مؤسسي
هذه ال"جبهة التي لا تشكل أي إضافة مهمة للعربية ، ولن تخلق بها أي نظرية علمية
في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع ، قادرة على احداث ثورة تغيّر بواقعها المأزوم
، لأنها في حقيقة واقعها ، لا تعدو في مجملها سوى قفزة قردية لإفتعال ، عن قصد وتربص
ماكر، كل الصراعات الجانبية ،والمعارك الهامشية ، والنقاشات والخطب الشعبوية، والمهاترات
الإعلامية الفارغة، حول مشاعر الهوية واللغة والدين التي يلعب عليها السياسيون كلما
أفلست أحزابهم ، كمدخل سهل وسريع لدغدغة عواطف ومشاعر الناس ، وخداع وعيهم ، واحباط
أحلامهم ، وتشتيت تركيزهم ، وإشغالهم عن قضاياهم الرئيسة المرتبطة بهموم تطلعاتهم ،
بهدف المحافظة على المكاسب والامتيازات التي كسبوها بخداع الجماهير والرأي العام بالشعارات
البراقة التي ضمنت لهم الاستيلاء على السلطة والنفوذ والمال ، كما تكشف عن ذلك ، بدون
كبير عناء، السيرة الذهبية ومستوى ولحس الوطني لبعض مؤسسي تلك "اللجنة" الذين
لم تشبع اكثريتهم من الامتيازات الخيالية والرواتب الفرعونية، والمنح العديدة المتميزة
والتقاعدات الجيدة وغيرها من الامتيازات الاخرى مدى الحياة، والتي لا يملك الرأي العام
وثائق عنها، وتستحق التأمل فيها من كل وجوهها
..