بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
لعل من المظاهر السلبية
التي تخدش صورة المغرب الحديث، الانتشار الكبير والتوسع المتزايد للأسواق العشوائية
مع ما يصاحبها من استفحال لظاهرة احتلال الباعة للملك العمومي. والغريب في الأمر أن
ذلك، لم يعد مرتبطا بالأحياء الشعبية أو العتيقة فحسب، بل امتدت الظاهرة لتنتشر حتى
في الأحياء والمركبات السكنية الجديدة. فما هي العوامل المساهمة في استشراء هذه الظاهرة؟
لمن تعود مسؤولية ذلك؟ هل للدولة ولأجهزتها المحلية أم أن للمواطن دورا ما في ذلك؟
لن نخوض
في الموضوع من كل جوانبه، بل سنركز على ظهور هذه الأسواق العشوائية داخل أو بجوار الأحياء
العصرية والمركبات السكنية الجديدة. فهذه الأخيرة، كثيرا ما تعاني من النقص الكبير
في المرافق العمومية، من مؤسسات تعليمية وإدارية وأمنية وخدماتية، فضلا عن انعدام أو
قلة المحلات التجارية ووسائل النقل العمومية. في هذا السياق، تظهر البؤر الأولى للأسواق
العشوائية التي منها يقتني السكان حاجياتهم الضرورية، أسواق تنشط على امتداد أيام الأسبوع
وتزداد مع الأيام اتساعا وفوضوية بعيدا عن أي مراقبة أو تأطير. وإضافة للضجيج والفوضى
والأزبال التي تعم تلك الأسواق، تصبح أيضا مقصدا للمنحرفين واللصوص الذين يضعون السلامة
الصحية للسكان وممتلكاتهم في خطر. هذا دون ان نغفل الإشارة إلى اوسائل النقل البدائية
وغير المناسبة التي تنشط بالقرب من هذه الأسواق. مما يجعلها لا تختلف عن أسواق البادية
إلا في كون هذه الأخيرة تكون أسبوعية، في حين أن هذه التي تتواجد بهذه الأحياء تغطي
الأسبوع بأكمله. وهذا ما يجعل " المصيبة أعظم".
لا شك أن السلطات
المحلية وفي تنسيق مع المنعشين العقاريين، مطالبة وبشكل استباقي، وفي إطار مخططات مضبوطة،
بتوفير أسواق ومراكز تجارية منظمة تغني عن حاجة الناس إلى مثل تلك الأسواق العشوائية.
فضلا عن ذلك، لا بد من حملات توعوية، بتنسيق مع الوداديات السكنية لهذه الأحياء، تبدأ
بحث السكان على عدم التعامل مع تلك البؤر الأولى لتلك الأسواق، بؤر ستجد نفسها مضطرة
إلى مغادرة المكان حين تصطدم بضعف رواج البضاعة. لا ينبغي دائما تحميل المسؤولية للدولة
وأجهزتها المحلية، بل إن المواطن وقاطني تلك الأحياء والمركبات السكانية أنفسهم، يتحملون
قسطا من المسؤولية: فهم من جهة يساهمون في إنعاش تلك الأسواق من خلال التعود على التبضع
منها، وفي نفس الوقت نراهم يشتكون من تواجدها من القرب منهم.
لا شك
أن هناك العديد من الانعكاسات السلبية لانتشار مثل هذه الأسواق المحتلة للملك العمومي.
فزيادة على الترييف الذي يطال تلك الأحياء السكنية وهو ما يساهم في تدني قيمتها العقارية،
تبقى المحلات التجارية بها عرضة للكساد والإغلاق، وهو ما يفوت على الدولة وعلى الجماعات
المحلية مداخيل جبائية، هي في أمس الحاجة إليها.
لذلك،
غدا من الضروري ألا تنصب الجهود فقط على اجتثاث ما يوجد من أسواق عشوائية أو على الأقل
العمل على تنظيمها وإلزام الباعة بضوابط معينة من شأنها أن تحافظ على النظام ونظافة
المكان، بل لا بد من الحرص وبشكل استباقي على
عدم تناسل أسواق عشوائية أخرى بهذه المركبات السكنية الجديدة والتي إن هي جهزت بكل
ما تحتاجه من مرافق، فسوف لن تجد مثل هذه الأسواق فيها موطئ قدم لها.