بقلم : محمد زويتنات
إذا كانت فاجعة
إجوكاك قد خلّفت صَدمة أخرى لدى المغاربة على فقدان ضحايا أبرياء من سكان المغرب المنسي،والمستثني
من دائرة المشاريع التنموية والإقتصادية فإنها من جهة أخرى كشفت لنا إشارات حارقة لا
يمكن للمتأمل في المشهد المغربي أن يتغاضى عنها،كانت إحداها ذاك الخُبث الإعلامي الذي
لا يزال يثوي قنواتنا وإعلامنا الرّسمي، فما بتّـثـه القناة الثانية في نشرتها الإخبارية
لظهيرة يوم الجمعة الماضي، يجعل المواطن المغربي يزيد تيقنا أن إعلامنا بعيد كبعد السماء
عن الأرض عن شروط المِهنيّة والموضوعية إن لم نقل عن مآسي وهموم هذا المواطن الذي يدفع
أمواله ضرائبا مقابل خدمات إعلامية رديئة لا من حيث المحتوى أو الشكل، فبعد عرضِها
أي القناة الثانية لروبوتاجا حول الفاجعة يُبيّن أشغال إزاحة الأوحال والأتربة من مكان
الحادث وانتشال جتث الضحايا،شهداء المغرب المنسي،عرضَت القناة عبر ثواني معدودة فيديو
آخر لحدث انجراف التربة قالت المذيعة أنه طَمَـر قرية في غرب جنوب الصين خلف عشرين
قتيلا ولا يزال خمسة وعشرون شخصا في عِداد المفقودين.. !،المعنى المُعلن والمُضمَر
هنا أن المصائب والكوارث لا تَسلم منها حتى الدول العظمى فلا تَعجَبُـوا يا مغاربة
وتكونوا عدميين، قد يقول قائل،أن الأمر قد لا يثير الدّهشة والإستغراب خاصة وأن كل
القنوات الرسمية في هذا البلد لا تُجيد سوى التضليل وترويج البروباغندا الرسمية ولم
تُشفى بعد من عادتها البئيسة في استغباء ذكاء المغاربة !،غير أنه إلى متى سيظل المغاربة
يُعبرون عن مُقتهم لهذا النهج الإعلامي التضليلي المُتخم بالتفاهة والرداءة الذي ما
عبروا عن رفضه في كثير من حملات المقاطَعة اتجاه لقنوات القطب العمومي عبر صفحات في
شبكات التواصل الإجتماعي،وأليس من حقّنا كدافعي الضرائب أن نشاهِد إعلاماً موضوعيا،مهنيا
ونزيها،وملتزما بمبادئ وأخلاقيات العمل الإعلامي الجاد والمسؤول،ونحن في زمن الإنفجار
الإلكتروني والمعلوماتي الذي لم يَعد فيه الخبر أوالمعلومة حِكرا على قناة أو جهة إعلامية،مما
يستدعي معه تجويد الخطاب الإعلامي ومهننته في اتجاه أفضل،يحترم ذكاء المواطن-المتلقي
الذي أضحى ذاتا فاعلة ومشاركة عبر سلطة شبكات التواصل الإجتماعي في هندسة الرأي العام،
بل واقتراح وتغيير القرارات وصنعها والضغط على الحكومات والإطاحة بها مٌكرّسا بذلك
الديمقراطية التشاركية والمواطن العالمي، لكن ماذا عن دور السياسي المغربي لماذا لم
يتمرّد على عجزه وصَمته المُطبق، وينبس بحرف اعتراف بالمسؤولية في كارثة إجوكاك تقصيره
الفاضح في نهج مقاربة سياسية استباقية،تنبؤية للكوارث عبر خطط واستراتيجيات تنموية
ملموسة من تهيئة الطرق والمسالك وإحاطة ساكنة الجبال بالتقلبات المُناخية،خاصة أن مثل
هاته المآسي تكررت في السنوات الأخيرة وأعادت إلى أذهاننا سابقاتها من الفواجع بآلامها
وأسئلتها والتحقيقات التي أنجزت بصددها دون أن تكشف لنا عن تحديد المسؤولين والمقصرين
فيها ليقتادوا نحو مقصلة المحاسبة والعقاب؛(ضحايا حافلة بطانطان،ضحايا الدقيق بالصويرة،وضحايا
حوادث سير بمنعرج تيشكا،ضحايا السيول بكلميم..)، وماذا لو سُـئِـل السيّد رئيس الحكومة
أو غيره من ساسة التحالف الحكومي الطبقي،هل كان سيخرُج أحدهم عن ديدن سياسيينا كي يفاجئنا
باعترافه وتحمّـلِه ولو بصيصا من المسؤولية،مادام أن الإستقالة ستكون من باب المستحيلات
السياسية وإن تحققت فلا شك ستدخل فاعِـلها إلى كتاب "غينيتس" للأرقام القياسية،هذا
إذا لم يُمنح الإنجاز جائزة نوبل (للشجاعة..) تجاوزا حيث سينضاف هذا الصنف إلى قائمة
جوائزها، ومادام أن شـرط تَحقق ذلك في الزمن المغربي غائب ومُغيّب فالأكيد أن رئيس
حكومتنا كان-لو نطق فعلا- سيتلو على مسامِعنا سيل من الهرطقات الإنشائية الجوفاء التي
لن تُقنِع عقول مغاربة القرن الواحد والعشرون كأن يقول أن فاجعة إجوكاك إنما هي؛ قـدرٌ
وقضاء من الله، ولله ما أخذ وأعطى والمؤمن مُصاب، وأن الحكومة المغربية عازمة على تهييئ
وبلورة مشاريع كبرى هنا وهناك لتنمية العالم القروي..،وغيرها من المغالطات والتبريرات
التي تتلّمس التّوْظيف الإيديولوجي للدين مَطيّة للتهرّب من كل نقد ومُساءَلة ومحاسبة
في بلد الإستثناء؛استثناء عليّة القوم وناهبي ومُهربي الثروات وآكلي الريع من قائمة
ضحايا الكوارث والفواجع،واستثناء فقراء وكادحي هذا الوطن من حقّهم في ثروات بلدهم وفي
العيش فيه بشروط كريمة وعادلة، فهل حياة المغاربة لا تساوي شيئا لدى مسؤولينا، أهي
رخيصة إلى هذا الحد المُقرف ؟ ألا تستحِقُّ الكارثة وسابقاتها إعلان الحِداد الوطني
واستنفارا حكوميا وأمنيا إسوة بما تفعله الدول التي تَحترِم مواطنيها وتُقَدّر أمنهم
وسلامتهم واحتراما لأرواح الضحايا الأبرياء ولذويهم ؟ لماذا لم يُكلّف ولو وزير قطاعي
أو مسؤول حكومي عَناء التنقّل إلى مكان الفاجعة أو أن ترِسل الحكومة آليات متطورة وأطر
إنقاذ مؤهلة إليها،أم أن هاته المُعدّات والأطقم وُضِعت خصيصا لإنقاذ السيّاح وهوّاة
الإستغوار وتسلّق الجبال من الأجانب ؟، أليس هذا التمادي السياسي في نهج أسلوبي النعّامة
والجفاء يُغذي أكثر مشاعر الكُفر بالوطن وبالسياسة ويزيد مستوى الإحتقان الإجتماعي
الذي انكشفت مؤشراته بمستوى لا يقبل الإنكار والتغاضي،فمتى سيتخلّى القائمون على إدارة
الشأن العام في هذا البلد عن سياسة التّمادي واللامبالاة والتعنّت والهروب من المساءلة
والمحاسبة، وألم يَحِن الزمن الذي يأخذون فيه بدروس وعِبر ما جرى ويجري على مرئ ومسمع
في بلدان الجوار ومنطقة شمال إفريقيا منذ أحداث ما سُميّ بالربيع العربي في 2011 إلى
الآن من ثورات وحِراكات اجتماعية وأزمات سياسية لا تزال مستمرة،مُتوَهِّجة جعلت
"الإستثناء والإستقرار" كمقولتين،أو توصيفين طالما رَوّجتهُما وتَبجّحت بهما
الأنظمة السياسية العربية في خبر كان وضربا من الأوهام التي لا تدخل ضِمن منطق الصيرورة
التاريخية..؟.